خالد عبد الرحمن |
شهدت أسعار المواد الغذائية والأولية شمالي سورية ارتفاعًا حادًا خلال الأسابيع الماضية، فاقم الأوضاع المعيشية للأهالي والنازحين المقيمين في المنطقة، خاصة مع دخول شهر رمضان المبارك.
وأصبحت مؤونة رمضان على خلاف الطقوس المعتادة من الكماليات لدى غالبية العائلات وخاصة النازحة منها التي تكافح من أجل تأمين قوت يومها ولا قدرة لها على تأمين (رفاهيات) رمضان بحسب (عبد الله العبود) النازح من ريف حماة الشمالي والمقيم في مخيمات أطمة الحدودية مع تركيا.
وأضاف (العبود): “أعتقد أن رمضان هذا العام لن يمر كسابقه، فأوضاع الناس في المخيمات لا تسمح للنازحين بشراء شيء على موائد الإفطار، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى النازحين خارج المخيمات، فطقوس رمضان أضحت من الكماليات، في ظل ارتفاع أسعار كل شيء هنا”.
وليس المستهلك والنازح وحدهما الحلقة الأضعف في سلسلة الارتفاع، حيث يجد المزارع نفسه ضحية جنون الأسعار، التي تجعله أمام خيارات محدودة بين هجر زراعته أو القبول بأسعار المواد الزراعية المستوردة.
وعن أسباب ارتفاع أسعار الخضار المحلية قال (أنس العارف) مزارع بريف حلب الغربي لصحيفة حبر: “إن العوامل الجوية وبعض أنواع الأدوية الزراعية المستوردة تعطي مفعولاً عكسيًا على الزراعة، وتؤدي إلى تلف الزراعة، وهذا يؤدي إلى قلة العرض في الأسواق وارتفاع أسعارها.”
وعادت أسعار المواد الاستهلاكية للتحليق كما جرت العادة في كل عام، نظرًا للطلب على غالبية المواد في شهر رمضان، إلا أن الوضع في هذا العام استثنائي لعبت به عدة عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، نظرًا لتراجع قيمة الليرة السورية إلى ما يقرب من 1300 ليرة مقابل الدولار الواحد، بالإضافة إلى حالة الخوف والهلع من قبل السكان من فايروس كورونا، وكذلك الحد من دخول المواد عبر المعابر التي كانت تورد غالبية البضائع إلى الشمال السوري.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور (فراس شعبو): ” إن السبب الرئيس زيادة الطلب في مناطق سيطرة النظام السوري، وهذا سببه مؤخرًا الخوف من الحجر الصحي، إضافة إلى فقدان بعض السلع من الأسواق نتيجة الطلب الكبير عليها، والخوف من المجهول بخصوص فايروس كورونا.”
ويرى (شعبو) في حديثه لصحيفة حبر أن “زيادة الطلب على بعض غالبية المواد أدرى إلى ارتفاعها في مناطق النظام، وبالتالي ارتفاعها في مناطق المعارضة التي تعتمد على المعابر بين المنطقتين بسبب افتقار الأخيرة إلى المنشآت الصناعية الكافية لسد احتياجات السوق شمال سورية.”
وبيَّن (شعبو) أن “ما زاد الطين بِلة انخفاض توريد البضائع عبر المعابر الحدودية مع تركيا بسبب الإجراءات التركية الرامية إلى مكافحة فايروس كورونا، وهذا سبب تراجع العرض في الأسواق شمال سورية، وكذلك أثَّر مسار الليرة السورية المترنح خلال السنوات الماضية بارتفاع الأسعار؛ نتيجة صرامة العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري التي كان آخرها قانون قيصر، وهذا انعكس بشكل كبير على القيمة الشرائية للعملة من الفئة ذاتها، وساهم بعزوف المستثمرين عن الدخول في سوق الاستثمار السوري، فضلًا عن عدم مرونة الدخل مع ارتفاع الأسعار الذي ارتفع أو بقي ثابتًا أمام التضخم الاقتصادي الذي يعاني منه الاقتصاد السوري، وكل ذلك أثر بشكل عكسي على الأسعار.”
وأردف (شعبو) بقوله: “إن توقف عجلة الاقتصاد العالمي بسبب فايروس كورونا أوقف جميع الواردات إلى سورية، وهذا انعكس على العامل والمنتج بشكل سلبي تمامًا، وهذا سوف يؤدي إلى كارثة اقتصادية على السوريين على اختلاف المناطق التي يقيمون بها.”
وأدت سنوات الحرب الطويلة إلى تدمير البنى التحتية الزراعية والصناعية، فجعلت سورية تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد، سواء من العراق والأردن بالنسبة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، أو تركيا بالنسبة إلى مناطق المعارضة، وكذلك الحال بالنسبة إلى المناطق التي تسيطر عليها مليشيا سورية الديمقراطية التي تعتمد على إقليم كردستان العراق في استيراد احتياجاتها السوقية.
وتبدو محاولات حكومة الإنقاذ العاملة في مناطق شمال غرب سورية لضبط الأسعار خجولة بعض الشيء، حيث يقتصر عمل مديرية التجارة والتموين التابعة لوزارة الاقتصاد، على مراقبة المخالفات في الأسواق، بينما يرجع تحديد الأسعار للعرض والطلب المرتبطين بسعر صرف الدولار، ودور المديرية تحديد أسعار السلع الأساسية للمستهلك، والإشراف على توزيعها لمنع احتكارها ورفع أسعارها.
وعزا وزير الاقتصاد في حكومة الإنقاذ المهندس (باسل عبد العزيز) ارتفاع أسعار المواد بشكل عام إلى انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، حيث إن المواد المستوردة من السوق الخارجية يتغير سعرها طردًا مع أي انخفاض في القيمة الشرائية لليرة السورية.
وأضاف (عبد العزيز) في حديث لصحيفة حبر: “بعض المواد الاستهلاكية التي يتم إنتاجها محليًا تعتمد في الغالب على مواد مستوردة وهي داخلة في صناعات كثيرة، وبالتالي ترتفع أسعارها.
وتابع (عبد العزيز): “نتيجة للحملة الأخيرة لقوات النظام المدعومة بالميليشيات الإيرانية والقوات الروسية وقضمهم لمناطق واسعة من المناطق المحررة، وهي في الغالب مناطق زراعية، ومساحات واسعة من المراعي، وخاصة أرياف حماة وحلب، انخفض الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية، وبالتالي عدم تلبية حاجة السوق.”
ونوَّه وزير الاقتصاد إلى أن حكومته اضطرت لإيجاد حلول بديلة تمثلت باستيراد احتياجات السوق من المنتجات الزراعية، بعد هجرة قسم كبير من المزارعين لمزارعهم وأعمالهم، وعدم وجود جدوى اقتصادية من تربية المواشي؛ لضيق مساحة الرعي وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف الأعلاف كونها مستوردة ومتغيرة وتُعامل وفق أسعار الدولار.
وأردف مسؤول حكومة الإنقاذ: “ارتفاع أسعار بعض المواد الصينية يعود إلى الركود الذي أصاب الحركة التجارية العالمية على إثر إغلاق حركة العبور بين الدول بسبب جائحة كورونا، إضافة إلى ضعف تصدير الصين التي هي بدورها من أهم الموردين لأغلب السلع لمعظم دول العالم، وهذا ساهم بضعف في العرض في الأسواق، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد.”
ويبدو أن رمضان في هذا العام يحمل في طياته مزيدًا من الحزن والبأس لدى السوريين بعد سقوط قسم كبير منهم في قارعة الفقر المُدقع، الذي نتج عن النزوح المتكرر بفعل آلة الحرب المستمرة أو البطالة.
وتشهد الأسواق شمال سورية حركة ضعيفة، مقارنة مع السنوات الماضية، إذ كانت تعج بالزبائن، وخاصة قبل ساعات الإفطار، فشهر رمضان لم يعد كما كان مرتبطًا بذاكرة السوريين بالطقوس الرمضانية والموائد متنوعة الأصناف فضلًا عن أنواع مختلفة من التمور والعصائر.