علي سندة |
(نشر الغسيل) مصطلح استعاره السوريون من ملابسهم بعد غسلها ونشرها على الحبال لتجف، فيقولون في معرض التهديد لشخص ما: “لا تخليني أنشر غسيلك، أي لا تدعني أفضحك أمام الناس ليعرفوا حقيقتك التي خفيت عنهم، لذلك اِبقَ كما أعرفك ولا تلعب معي.” ويبدو أن (بوتين) سمع بهذا المثل، وأُعجِب به، فاستعاره واستخدمه عبر القوة الناعمة ليُجري (فركة أذن) لصاحبه (بشار الأسد) من خلال التشهير به وبعشيرته (علي بابا وأربعين حرامي).
وللتشهير (البوتيني) إرهاصات سبقته، حيث أجرت وسائل إعلام روسية قالت عنها صحيفة (الشرق الأوسط): إنها (حكومية)، استطلاعات للرأي في سورية خلال هذا الشهر، إذ أظهرت حجم الفساد المستشري داخل النظام والسخط الشعبي، بل تعدى الأمر إلى التشكيك بشعبية الأسد المُقبل على انتخابات جديدة في 2021، ليُستكمَل (نشر الغسيل) عبر صحيفة (برافدا) الروسية، التي فجَّرت فضائح مدوية تناولت دائرة الأسد الضيقة، بدءًا من (زوجته أسماء التي اشترى لها لوحة قيمتها 30 مليون دولار، وأخيه ماهر صاحب 15% من اقتصاد سورية، وأبناء خاله رامي صاحب البنوك والمسيطر على الاتصالات، وحافظ مخلوف صاحب الشقق الفخمة بموسكو) وصولًا إلى رجال أعمال مقربين منه كالقاطرجي، وانتهاءً برئيس حكومته (عماد خميس) الذي يبيع الكهرباء والغاز والنفط، ووصفتهم الصحيفة الروسية كلهم بـ “عشيرة الأسد”.
والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا بوتين يستخدم القوة الناعمة بنشر غسيل صاحبه (الأسد) في هذا الوقت، ويرفع مستوى الفضائح عبر الصحف لتصل إلى الدائرة الضيقة من الأسد، بعد استطلاعات الرأي الشعبية التي أظهرت حجم السخط الشعبي والتذمر الاقتصادي والمعيشي؟
الأمر بالنسبة إلى روسيا يخص الأسد نفسه الذي صار (ملطشة) بيد بوتين وروحاني ولم يعد يعرف إرضاء أي منهما، ويخص أيضًا إيران وصراعها مع روسيا في السيطرة على سورية، فقد احتدم الصراع بينهما وربما بلغ ذروته عندما استطاع بوتين إقصاء نظيره روحاني من الاتفاق الأخير مع تركيا حول إدلب، وقد فُسرِت خروقات الاتفاق التي تحدث بأن إيران وراءها عبر ميليشياتها المنتشرة على الأرض؛ لأنها تريد الاشتراك بحصة فتح الطرقات الدولية، وتخشى في الوقت نفسه توسيع الاتفاق الثنائي ليشمل أمريكا، وبالتالي انتهاء الدور الإيراني في سورية خاصة إذا علمنا أن إسرائيل تعمل على إزاحتها من المشهد السوري.
وإذا نظرنا إلى توقيت نشر صحيفة (برافدا) الروسية لفضائح عشيرة الأسد، نرى أنها جاءت بعد يوم من زيارة (جواد ظريف) وزير الخارجية الإيراني دمشق للقاء الأسد يوم الإثنين الماضي، وبالتالي ردٌّ روسي واضح على الزيارة التي لم تُوضح خلفيتها بعدُ، إلا أنها تُقرَأ من وجهة نظر إيرانية بأننا (نحن خلفك) ومستمرون بدعمك المعنوي فلا تعبأ باستطلاعات الرأي الروسية ضدك، ومستمرون بدعمك اللوجستي والعسكري رغم (كورونا)، وكذلك هي رسالة إيرانية لروسيا أنها لن تتخلى عن مصالحها في سورية حتى لو تمت تعرية النظام السوري على حقيقته أمام الرأي العام؛ حفاظًا على مصالحها الدينية والاقتصادية فيها.
الغضب الروسي على الأسد في توقيته الحالي، يعطي فرصة له قبل موعد الانتخابات الرئاسية في سورية 2021 لمراجعة مصالحه، وما كرت الفضائح الذي ألقته روسيا إلا رسالة شديدة اللهجة للأسد ألَّا تلعب معنا لمصلحة إيران وإلا انتهى دورك، وألا تعرقل مخرجات آستانة (اللجنة الدستورية)، وأن الحل العسكري يجب أن يتزامن مع إصلاحات داخلية لا سيما في تحجيم الفساد وتحسين الاقتصاد وضبط الأمن، وهو رسالة في الوقت نفسه لإيران أن روسيا حاليًا هي المسيطرة على قواعد اللعبة في سورية، ولديها بديل الأسد الذي ربما تعمل عليه برضا دولي، وربما تقدم إيران كبش فدى لإسرائيل وأمريكا والغرب إن استمرت بالعمل على عرقلة المصالح الروسية ورؤيتها للحل السوري. فهل ينتهي دور الأسد فعلًا ومن خلفه إيران لمصلحة روسيا وبقية الأطراف، أم أن الاعتياش على نظام الأسد رغبة الجميع، وما يحدث لا يخرج عن تحسين موقف وإعادة فرض رؤية سياسية للأطراف من جديد؟