د. وائل شيخ أمين |
أستطيع القول، وأنا مرتاح بعد أن شاهدت مقاطع من هذا البرنامج: إنه من أسوأ البرامج التي شاهدتها في حياتي، إن لم يكن الأسوأ على الإطلاق.
والتقييم طبعًا ليس عن الناحية الفنية، فهذه الناحية من المفترض أنها خادمة لفكرة البرنامج.
فكرة البرنامج باختصار: “تعالوا نضحك على حفلة من التعذيب السادي!“
حيث يقوم رامز بعمل كمين لضيفه حتى يقيده إلى كرسي، ثم يبدأ بممارسته ساديّته عليه.
العبارات الأولى التي يبدأ بها:
“أنت الآن في مملكتي، وكل ما عليك إنك تخرس خالص علشان أشوف شغلي”.
تشعر هنا أنك دخلت إلى أحد المعتقلات، وبدأت تشاهد جلسة من التعذيب للمعتقل.
هنا تظهر الشخصية المريضة لرامز، التي تستمتع في إهانة الطرف الآخر وإذلاله، تستمتع في صراخه وخوفه وضعفه، تستمتع في سبه وتعنيفه، تستمتع في إرغامه على التوسل والاستسلام التام.
ليست المصيبة في كل ذلك، بل المصيبة في أن البرنامج معدٌ بطريقةٍ تجعل من يشاهد هذه السادية يستمتع أيضًا!
فأنت تشاهد حفلة تعذيب وتضحك وتستمتع، تدخل رويدًا رويدًا داخل شخصية رامز السادية، وتطلب المزيد.
لطالما مارس الإعلام تطبيعًا مع الفواحش، مع الشذوذ، مع العنف، لكن أن يصل التطبيع إلى التعذيب السادي فهذا أمر أخطر بكثير!
أذكر الضجة التي أحدثها فلم (الجوكر) التي كان سببها أن الفِلم يجعل من يشاهده يتعاطف مع الشخصية الشريرة، لكني أتفهم أن شخصية (الجوكر) الشريرة قدمها الفِلم على أنها مريضة نفسيًا وخضعت لضغوط هائلة من المجتمع، فانفجرت في نهاية المطاف وانتقمت.
هذا مفهوم جدًا جدًا إلى جانب شخصية رامز التي تقيد شخصًا بريئًا ثم تمارس ساديتها عليها.
هذا البرنامج تطبيع مع الجلاد! تطبيع مع ضابط المخابرات، تطبيع مع الزبانية، تطبيع مع الطواغيت الذين لا يرون البشر بشرًا.
إذا أردت أن تعرف الخطورة الكبيرة للبرنامج، فأكبر دليل عليها أن الكثيرين لا يرونه خطيرًا! هذا دليل على سرعة التطبيع.
لو أن برنامجًا نشر عن حفلة تعذيب، لكنك تتفرج وتتألم على الضحية وتتعاطف معها وتبكي عليها، لقلت لك: إن البرنامج خطير؛ لأن درجة تعاطفك مع الضحية ستنخفض تدريجيًا، فكثرة التماس تفقد الإحساس، فما بالك إذا كنت تضحك على تعذيب الضحية وإهانتها وتطلب المزيد؟!
هل يمكن أن تشاهد البرنامج ولا تتأثر؟ بالطبع لا، فهذه وسائل تأثير نفسية لا منطقية، وكثرة التعرض لها تؤثر فيك رَغمًا عنك مهما حاولت، لذلك ينهانا القرآن الكريم عن كثرة السماع لأهل الباطل حتى لو كنا نعلم أنهم على باطل، يقول تعالى: “يبغونكم الفتنة، وفيكم سمّاعون لهم.”
احذر ثم احذر من المشاهدة، واحذر كذلك أن تسمح لأفراد عائلتك بمشاهدته، فأنت تعرضهم بشكل يومي لجرعة من السادية لمدة شهر، فأي نفوس مريضة ستنتج عن ذلك؟!
رامز ليس مجنونًا طبعًا، بل هو مجرم رسمي.