أحمد ماهر
بعد مرور خمس سنوات من عُمر الثورة في سوريّة، والتي جاءت ضمن سياق ما قد اصطُلح على تسميته بالربيع العربي الذي اجتاح العديد من الدول العربيّة، وثارت الشعوب على أنظمة الحكم فيها، والذي كان من الملاحظ أنّ وقود ومحرّك تلك الثورات هم الشباب بجنسيهم ذكوراً وإناثاً، الذين خرجوا وتظاهروا وهتفوا ضد أنظمة الحكم في تلك البلاد التي تُعاقب وتعتقل لمجرّد الاجتماع بين عدد من الأفراد يتناولون الحديث عن السياسة، لم نعُد نشاهد _وللأسف_ هؤلاء الشباب إلا القليل منهم ينخرطون في مجال السياسة ويخوضون غمارها، ولعلّ ذلك قد يعود إلى عدّة أسباب: منها وجود مرض اسمه فوبيا السياسة لدى معظمهم، فلقد عمل النظام المستبد في سوريّة منذ خمسين عاماً على ذلك، بحيث اعتبر الاقتراب من السياسة من المحرّمات التي يجب الابتعاد عنها بأكبر قدر ممكن، وللأسف فقد ساهم المجتمع بشكل كبير بترسيخ هذا المفهوم ابتداءً من الأسرة والحي و انتهاءً بالقرية والمدينة، ممّا أدّى ذلك إلى احتكار العمل السياسي بيد السلطة الحاكمة، وإن كان لابدّ من العمل في السياسة فيجب العمل من داخل هذه المؤسّسة الفاسدة على جميع المستويات التي صنعت أجيالا من التابعين والببغاوات التي تردّد ما يقوله القائد الملهم، وكأنّ قوله كتابٌ سماويٌّ مُنزل لا يجوز الخروج عن نصّه وتقديسه، ولكن وبعد انطلاق الثورة أُضيف إلى ذلك أيضاً أسباب أخرى، كوجود فجوة ونوع من عدم الثقة بين فئات الشعب وخاصّةً الشباب، وبين ممّن تصدّروا المشهد السياسي في المعارضة السوريّة التي تمثّلت بدايةً بالمجلس الوطني ومن ثمّ الائتلاف والحكومة المؤقّتة الذين قد عوّل الشباب عليهم الكثير في بداية الأمر، ولكن سرعان ما خذلوهم بشكل مقصود أو غير مقصود، وذلك لعدّة عوامل وأسباب لسنا بصدد التعرّض لها وشرحها الآن، مّما عمّق الفجوة الموجودة أصلاً وزاد النّقمة على السياسة وعلى كلّ من يعمل بها، و أيضاً وجود التناحر والتنافر الكبير بين الأحزاب والتيّارات والتكتّلات السياسيّة التي تنطلق في أغلبها من منطلقات إيديولوجية مبنيّة على تصوّرات قديمة وبالية أكل الزمان عليها وشرب، وقد تجاوزتها الأحداث والتطوّرات كثيراً، ففشلت، بل وعجزت عن تقديم مشروع وطني متكامل لا يقصي أي أحد ويعطي لكلّ ذي حقًّ حقّه دون زيادة أو نقصان، و راح كلّ طرف يحمّل المسؤوليّة في هذا الفشل والعجز للطرف الآخر دون تقديم الأدلّة والبراهين والحلول المناسبة لأسباب هذا الفشل والعجز.
ويبرز سبب آخر لا يقلُّ أهميّةً عن سابقيه ألا وهو الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة الصعبة التي يعيشها الشعب السوري وخاصّةً الشباب سواءً ممَّن بقي منهم في الداخل السوري أو الذي هاجر إلى دول المهجر المختلفة، مّما زاد الأعباء وخاصّةً المادّيّة منها، والبحث عن سبل تأمين العيش الكريم، واستغلال أصحاب العمل لهم بشكل غير إنساني بساعات عمل طويلة وندرة بالإجازات والعطل، فصار الشاب السوري بدل أن يهتم بالوعي والتثقيف السياسي، اهتمّ بكيفيّة تأمين حياته ولقمة عيشه.
ولكي نجذب ونُعيد الشباب لخوض غمار السياسة من جديد، وهذا بالطبع ليس ترفاً بل هي ضرورة باتت اليوم، وذلك لأنّ الشباب هم من عليهم الاعتماد بعد الله على بناء ما قد هدّمته هذه الحرب الضروس، ولأجل ذلك لا بدّ من القيام ببعض الخطوات التي من شأنها أن ترمم تلك العلاقة وتعيد بناء الثقة من جديد، و هذا من خلال إشراك الشباب في القرار السياسي ومنحهم الثقة وإعطائهم الإيحاء بأنّ لهم صوت مسموع ورأي وتأثير في صناعة القرار السياسي على أعلى المستويات، بل وتأهيليهم وتدريبهم بالشكل الصحيح ليتسلّموا الدور القيادي في المؤسّسات السياسيّة فيما بعد، وأيضاً يجب فهم مشكلاتهم المختلفة والعمل على تقديم الحلول المناسبة لها وتوفير الخدمات التي يحتاجونها على مختلف وكافة الصعد، ومن الضروري جدّاً العمل على إصلاح التصوّر الخاطئ لديهم تجاه السياسة وتقديمها على أنّها شيء ليس من المحرّمات بل يجب المساهمة فيها وتطويرها.
وأخيراً وليس آخراً إبعادهم قدر المستطاع عن التجاذبات والصراعات الموجودة بين السياسيين والتجمعات السياسيّة على مختلف أشكالها، وعدم إشراكهم فيها.