أ. شفيق مصطفى |
بعد خمس سنوات من النقاش، وفي العام 1979، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” والمعروفة اختصاراً بـ (اتفاقية سيداو CEDAW)، ولعل الكثير من العيون في ذلك المبنى المرتفع في مانهاتن، كانت ترنو إلى الضفة الأخرى من الأطلسي لتستدعي أحداثًا في القارة العجوز بدأت إرهاصاتها في منتصف القرن السادس عشر الميلادي.
إرهاصات البداية
قبل العام 1550م كانت النظرة الأرسطية هي السائدة في أوروبا، فالنساء رجال أدنى شأنًا! وحواء تابعة وأدنى درجة!
وحتى العام 1700م لم يكن للمرأة المتزوجة استقلالية قانونية، وكل ممتلكات المرأة عند الزواج تؤول للزوج تلقائيًا بعد الزواج، كما أن من حق الأب أن يمنع الأم من الاتصال بأطفالها بأي شكل كان، أما ما فوق ذلك من حقوق (كالتصويت والمشاركة السياسية) فكان أبعد من أن تفكر فيه تلك المرأة الأوروبية في ذلك الحين.
تقسم حركة المطالبة بالحقوق النسوية في الغرب ( (Feminismإلى موجات، ركَّزت الموجة الأولى منها على المطالبة بالحقوق الآتية: حق التملك، حق التعليم، حق العمل، حق التصويت والمشاركة السياسية).
الموجة النسوية الأولى – (إنكلترا) ومضات في بداية الدرب
يُؤرَّخ لبدايات الموجة الأولى للحركات النسوية في بريطانيا بكتابات الكاتبة (ماري وولستونكروفت) وخاصة كتابها الذائع الصيت (دفاع عن حقوق المرأة) الذي نُشر عام 1792م، تقول (سارة جامبيل): “لم تدعُ ماري إلى أن تهجر المرأة بيتها، ولم تطالب بما هو خارج المألوف كحق التصويت.”
تأمل!! فالمطالبة بحق التصويت في ذلك الوقت القريب هو من قبيل (الخارج عن المألوف)، وتعود لتقول: “اهتمت (ماري) بالطريقة التي يصوغ بها المجتمع مفهوم الأنوثة، خصوصًا من خلال تعليم الفتيات بشكل غير كافٍ.”
إقرأ أيضاً: عبودية الوظيفة
إن تعليم المرأة في المملكة المتحدة كان يُعدُّ من القضايا الشائكة في التاريخ البريطاني والغربي عمومًا، إذ كيف لامرأة لا تتمتع بحق التملك أن تخرج من بيتها لتتعلم في مدرسة أو جامعة؟!
استمر هذا الحال في بريطانيا حتى العام 1870م، حيث أقر مجلس العموم قانونًا يسمح للمتزوجات بالاحتفاظ بإيراداتهنَّ الخاصة وتوريث الأملاك الخاصة.
الثورة الفرنسية ومواجهة عنيفة مع النساء
كان المساق الفرنسي أكثر عنفًا وقسوة، فمع سيطرة حكومة الثورة في فرنسا كان البحث جاريًا وبشكل حثيث عن أي صوت مثقف يعارض الثورة فكريًا أو سياسيًا، وكانت المقصلة تُنصب وتقدم لها الرؤوس قربانًا لحرية طال انتظارها!
وكانت الكاتبة الفرنسية (أوليمب دوغوج) أحد الأهداف التي رسمت بعناية لتلك المقاصل، ولعل كثيرًا من الباحثين يعزون سبب إعدامها لما نشرته من أفكار في بيانها الشهير (بيان حقوق المرأة والمواطن) لا ما ادّعته حكومة الثورة من أنها كانت توالي الملكية البائدة، فهذه تهمة كانت جاهزة لتلصق بكل من لا توافق الثورة على أفكاره.
طالبت (دوغوج) في بيانها بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق الأساسية (كحق التملك والتعليم) وتجرأت على المطالبة بحق التصويت عرضًا.
ما سبق مثالان واقعيان عن حال المرأة في أوروبا في تلك الحقبة، لقد كان المنطلق في منع النساء من حقوقهنَّ طيلة القرون السابقة للقرن التاسع عشر وحتى نهاياته، مزيجٌ من التعاليم الدينية المحرفة للكنيسة، وعادات بالية وأفكار فلسفية سابقة تنظر إلى المرأة على أنها في درجة ثانية في الخلق والتصرف.
لم يرقَ الفكر الغربي لدرجة أن يعطي للمرأة حقوقها الأساسية إلا بعد حين من الزمن، وكثير من الدماء وثمن باهظ فوق هذا وذاك سنفرد الحديث له في المقالات القادمة إن شاء الله.
ملاحظات ختامية:
– أُعطِيت المرأة حق التملك في فرنسا عام 1907م.
– أُعطِيت المرأة حق التملك في إنكلترا عام 1870م.
– أُعطِيت المرأة المطلقة حق حضانة الأطفال في إنكلترا 1973م.
– أُعطِيت المرأة حق التصويت في إنكلترا عام 1920م.
– أُعطِيت المرأة حق التصويت في فرنسا 1944م.
– لم تمنح المرأة في جامعة كامبريدج درجة علمية بالتساوي مع الرجال إلا في عام 1948م.
إقرأ أيضاً: إزاحة الأسد.. تكهنات تدحضها الحقائق