غسان الجمعة |
تتناقل وسائل إعلام روسية وعربية عن مراكز أبحاث ودراسات مرتبطة بدوائر القرار في موسكو، إمكانية استغناء الكرملين عن بشار الأسد في المنظور القريب، وتحييده عن الساحة السورية.
وقد أكد مستشار نتنياهو (إيدي كوهين) في أحد منشوراته عن قرب فرار الأسد، وقد بُلِّغ قرار إزالته من المشهد من قِبل أطراف دولية.
هذه الفرقعات الإعلامية لا يمكن التسليم بها بناءً على معطيات الواقع السياسي الحالي داخليًا وإقليميًا، حيث خرج الأسد من حسابات الصفقات في ظروف أعقد من الحالية.
فالتطبيل الإعلامي للبربوغندا الروسية عن فساد السلطة وسوء الإدارة والخدمات، وما تبعه من تقارير عن فساد الأسد نفسه، وعدم المنفعة من بقائه على كرسي الحكم، يصطدم بحسابات موسكو الجوهرية على الجغرافية السورية، فوجود الأسد عامل الضمان شبه الوحيد في الوقت الحالي للمحافظة على الوجود الروسي، فموسكو لا تريد أن تجد نفسها فجأة بمستنقع أمني وسياسي يتركه من خلفه الأسد، وخصوصًا بعد أن تعرَّف الروس عن قرب على هيكلية النظام السوري، وكيف تم ربطه برأس الهرم بشكل يجعله يتساقط كأحجار الدومينو بمجرد سقوط الرأس.
ومن جانب آخر، ورَغم كل السوء الذي يراه الروس في شخص بشار الأسد، إلا أنهم يعدونه الضامن الأقوى للاستفادة والاستثمار في العقود والاتفاقيات الاقتصادية التي استحوذت عليها روسيا منه؛ لأن فاتورة التدمير والقتل قد نُفِّذت لحسابه، وهو المسؤول عن سداداها بحماية روسية.
هذه المسببات تمنع الكرملين من المجازفة بالإطاحة بالأسد، غير أنها لا تمنع تهذيبه بين الفينة والأخرى، وتحديدًا عندما يتعلق الأمر بإيران وحسابات تل أبيب.
لذلك، فإن كل ما يتم الحديث عنه من وضع اقتصادي مزرٍ وطريق مسدود في قنوات ضخ أموال الإعمار بسبب وجود الأسد وسياساته، هو لذر الرماد في العيون وتغطية ما يتم المساومة عليه من مصالح وصفقات الأسد فيها لا يتعدى كونه أداة، كما أن ما تروجه وسائل الاعلام هو من باب الخداع والتنفيس للموالين المسحوقين أمنيًا واقتصاديًا وللمعارضين المقبلين على الدخول بعملية الحل السياسي ضمن العملية الدستورية.
أما على الساحة الدولية، فالصورة مختلفة تمامًا عمَّا تعكسه التصريحات والمواقف السياسية حول بقاء الأسد، فإسرائيل التي بدورها تركب موجة الإطاحة بالأسد وتتبنى عبر منظريها فكرة هروبه، إلى الآن ليس لديها البديل الذي يصون مصالحها ويحافظ على سياسة الممانعة التي يرفعها الأسد في وجه تل أبيب من خلال مورثه عن أبيه (الاحتفاظ بحق الرد).
وفي دائرة أوسع اتخذت اليونان منحى جديدًا في تعاملها مع الملف السوري خارج الفلك الأوربي بإعادة سفيرتها السابقة إلى دمشق، لتكون مبعوثة خاصة في خطوة تُفهَم على أنها بداية لإعادة ترميم العلاقات مع النظام السوري.
ورَغم كون هذه الخطوة تدخل في نطاق المنافسة و(النكاية السياسية) بين تركيا واليونان في ملفات خلافتهما المتعددة، إلا أنها تعطي النظام السوري زخمًا جديدًا في المنظومة الدولية وتشجع المتلونين إقليميًا ودوليًا على الاقتراب من الأسد.
فكرة الإطاحة برأس النظام السوري عن السلطة ليست عصية على الإرادة الدولية، وفي النهاية كل شيء يقاس بثمنه في مساومات المصالح، إلا أن ظروف بقاء الأسد تتولد من حرص النظام على أن يكون في خدمة إحدى أجندات أطراف الصراع بين الدول الكبرى، وهو ما يحميه إلى الآن، ولكن لن يستمر ذلك إلى ما لا نهاية.