عبد الحميد حاج محمد |
شهدت الفترة الأخيرة ظهور عدد كبير من الفرق التطوعية والجمعيات الإنسانية في المناطق المحررة إلى جانب العديد من المنظمات العاملة بمجال الإغاثة الإنساني، بهدف تكثيف الجهود لسد احتياجات السكان.
عملت هذه الفرق والمنظمات على تقديم خدمات شتى في كافة المجالات، إلا أن بعضها خرقت مبادئ العمل الإنساني، حيث أظهر موظفو بعض المنظمات إهانات بحق المستفيدين من برامج تلك المنظمات، وذلك حسب ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي.
(صحيفة حبر) بدورها بحثت في هذه الظاهرة ووجهت عدة تساؤلات إلى أشخاص معنيين بأمور العمل الإنساني، الأستاذ (محمد حلاج) مدير (منسقو استجابة سورية) يقول حول الظاهرة: “الموضوع ليس محصورًا بالجمعيات والفرق التي أُنشئت مؤخرًا وحسب، بل في المنظمات التي لها باع طويل في العمل الإنساني، وهذه التصرفات التي تحدث ليس هناك قدرة على ضبطها إلا عن طريق إدارة الجمعية أو المنظمة التي ينتمي إليها الموظف.”
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطعًا مصورًا لأحد موظفي المنظمات في مخيمات (قطمة) بمنطقة عفرين شمالي حلب، وهو يوجه كلمات إهانة تحمل نوعًا من التهديد للأهالي بعد استفزازه، وقد لاقى المقطع استياء الكثيرين وانتقادات بالجملة.
يقول (حلاج): “حتى لو تم الاعتداء على موظفي المنظمات من قبل المدنيين، فنحن بصفتنا عمال إنسانيون يجب أن نتخلى عن جزء من كرامتنا؛ لأن هذه الناس فقدت كرامتها بالكامل نتيجة نزوحها والإهانات التي تتعرض لها.”
عدم إدراك بعض موظفي المنظمات لأخلاقيات مهنتم ،جعل الأمر أكثر حرجًا، وتجاوز بعض الموظفين على المستفيدين بدوافع جهل وعدم دراية بأمور الأعمال الإنسانية.
الأستاذ (أحمد شبيب) مدير مكتب منظمة (غصن زيتون) في الشمال السوري تحدث لحبر حول تجاوز المنظمات بقوله: “تعتمد المنظمات بشكل عام على طواقم بشرية تعمل معهم على شكل عقود مؤقتة ضمن فترة زمنية محدودة، وهذا يجعل المجال ضيقًا لتدريب وتأهيل العامل الإنساني ورفده بالأخلاق الوظيفية، فيجد نفسه بشكل مفاجئ في الميدان محصورًا بقصر الفترة الزمنية وبضغط مجتمعي هائل.”
وأضاف (شبيب): ” هنا يفقد العامل بسهولة توازنه، وتسيطر عليه انفعالاته، ويصبح عرضة للخطأ ويسبب إساءة للمستفيدين بشكل خاص وللعمال الإنسانين بشكل عام.”
كما تعتمد بعض الجمعيات والمنظمات طريقة توثيق مهينة كما يراها البعض، من حيث إظهار وجوه المستفيدين وبثها على مواقع التواصل المختلفة كنوع من الترويج لأعمالها، أو كما تدعي تلك الجهات أنها توثيق للداعم أو المانح الذي قدم الدعم.
يؤكد (حلاج) أن “من الواجب عدم تصوير المستفيد بأي شكل من الأشكال حتى لو تم تغطية وجهه، فهناك طرق يمكن الحصول من خلالها على لقطات دون الإساءة للمستفيد.” منوهًا أن المانح لا يطلب صورًا للمستفيدين.
ويشير (أحمد شبيب) إلى أن “طول الفترة الزمنية للاستجابة في سورية أدى إلى ظهور المئات من مؤسسات العمل الإنساني التي لا تمتثل لمدونات السلوك الإنساني، وتجهل جل قوانينها وتسبب الآن ظاهرة تكاد تكون كبيرة في القوى الإنسانية العاملة في الشأن السوري.”
في حين تقف الجهات المسؤولة في المناطق المحررة عاجزة عن ضبط أعمال المنظمات، أو توجيهها بشكل صحيح، أو القيام بخطوات حقيقية تسهل وتبسط العمل الإنساني ويكون حازمًا في الوقت نفسه تجاه مخالفيه.
ويرى (حلاج) أنه “طالما لدينا توجهان من خلال الحكومات ولا نستطيع ضبط التوجهات السياسية أو ضبط خطة عمل واحدة، ولدينا منظمات تعمل في إدلب وعفرين، وبالتالي سيجد كادرها صعوبة وتلخبطًا في التعامل مع سياسة كل جهة مسؤولة عن المنطقة، فهناك اختلاف كبير بين منطقة وأخرى.”
ويوصي (شبيب) بالعمل بشكل مستمر لرفع مستوى العمال الإنسانيين، واختيار أكفأ الموظفين وأمهرهم ميدانيًا للتعامل مع المستفيدين، وتدريب العاملين الجدد لتأهيلهم لكيلا يُسيؤوا للعمل الإنساني.
ويبقى العمل الإنساني من أجمل الأعمال وازكاها مادام ملتزمًا بآدابه وقواعده الواضحة التي تحفظ حق وكرامة المستفيد منه، لا أن تهينه على حساب حاجته وعوزه.