بالاستناد إلى المبادئ الأخلاقية تبدو الإجابة شديدة السهولة، الشرعية هي الأصل، والسعي من أجلها هو ما تنادي به مختلف القوى السياسية في العالم، حتى الطغاة لا يعترفون أنهم يحكمون بمبدأ القوة، وإنّما الجميع يدّعون أنهم يمتلكون الشرعية في السلطة أو في السعي إليها من خلال العمل السياسي.
الواقع يخبرنا أن الأمر مختلف، فأغلب الأنظمة الحاكمة في هذا العالم تعتمد على القوة، مهما كان شكلها، عسكري أو اقتصادي أو حتى ديني، ومن خلال القوة يتم الوصول إلى الشرعية أو ادعائها، وفي العديد من الحالات التي وصلت فيها الشرعية للحكم دون قوة كافية تقف إلى جانبها أُطيح بها بوقت قصير أو حُوصِرت وحُوربت ضمن منطق المصالح العالمية التي لا تعترف بالقيم إلا إذا خدمت هذه المصالح، ولا تحترم خيارات الشعوب إلا إذا حافظت على التوازنات والمصالح الدولية، ولو أنّ نموذج الشرعية يتم الاعتراف به وحيدًا، لما استطالت العديد من الحروب والثورات في منطقتنا، وفي مقدمتها الثورة السورية.
بالاستناد إلى المقال السابق يبدو الحسم أمرًا غير دقيق في هذه المسألة، ولكن الأمر المؤكد هو ضرورة الجمع بين الأمرين في النظم التي تسعى لإقامة العدالة، دون إغفال أن هناك من يحاربها، لذلك يجب عدم الاستهانة بالمواجهة والاستناد فقط إلى الشرعية والحقوق والقوانين، فكل النصوص النظرية تبدو واهية إن لم تُسوّر بقوة قادرة على حمايتها، والإعلام قادر دائمًا على صدع رؤوسنا بمبررات الانقلاب على الشرعية عندما تضعف القوة المساندة لها.
على أنه يجب تحديد شيء أخير مهم هنا على ما أعتقد، وهو أن البداية تكون من ظروف الواقع وليس من قوالب نظرية، فبناء الشرعية في حالة فوضوية مشرذمة غير مستقرة تنتهبها المصالح الدولية هو بداية غير جيدة؛ لأنها زراعة في أرض ذات تربة منجرفة ومتغيرة، والحصاد سيكون هباءً يليق بتلك الفلسفة الواهية.
وأيضًا السعي للبداية من مفاصل القوة الخشنة في ظروف واقعية مسيطر عليها تمامًا هو خلق لحالة صدام مع القوة السائدة، وبالتالي استعجال للمواجهة وللفناء.
البداية ستكون دائماً ضربة في المنتصف، ثم تحدد الظروف إذا كنت ستتقدم أو ستتراجع لتراوغ قليلاً، ولكن المهم أن تعلم أن اعتمادك على القوة فقط ستجعل منك طاغيةً متجرداً من القيم، والاعتماد على الشرعية فقط ستجعل منك درويشاً يتغنى بقيمه وأخلاقه فحسب.
المدير العام | أحمد وديع العبسي