آمال تبنى على واقع مرير
بقلم محمود جوّاد
مع انطلاق الثورة السورية في منتصف آذار 2011م، شكَّل انخراط طلاب الجامعات بالثورة عصب الحراك الشعبي الحالم بالتغيير، ومع تطور هذا الحراك، بدؤوا بتوحيد الجهود بين معظم الطلبة الجامعيين لتأجيج الحراك الميداني في كل مدينة، وعملوا على استبدال التنظيمات والتجمعات التابعة للنظام الحاكم بكيانات ثورية تعرَّض مؤسسوها للملاحقة والاعتقال، ثمَّ الاضطرار لاحقًا إلى ترك الجامعة بسبب مواقفهم المناهضة للنظام.
وفي منتصف تشرين الأول 2015م تشكَّلت اللجنة العليا لإدارة وتشغيل جامعة حلب في المناطق المحررة، وأصدرت المفاضلة الأولى للقبول في جامعاتها، وبعد إعلان بدء الدوام الرسمي اعتباراً من 12 كانون الثاني 2015م، عاد الطلاب إلى مقاعد الدراسة.
إنَّ الحديث عن الدراسة الجامعية يحمل في طياته اليوم الكثير من المشاعر المتناقضة والأفكار المفعمة بالأسى والأمل، ويبدو أنَّ كثيرًا من هذه الصور أضحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الطالب الجامعي، فمعظم زملائنا الطلاب المغتربين يعانون من هموم جمّة على مختلف الأصعدة في مسيرة تحصيلهم العلمي، فمسلسل المعاناة يبدأ من تغيّر البيئة وطريقة الحياة وصولاً إلى صعوبة توفير السكن والمأكل، فالطلاب غير المتزوجين مرفوضون من أصحاب العمائر السكنية في منطقة الدانا التي تضم عدة كليات، وما تزال هذه المشكلة تؤرق الطلاب الذين يريدون السكن في الأحياء القريبة من منطقة الكلية أو القريبة من الأسواق، إذ الكثير لا يمتلكون وسائل نقل تقلهم من المنزل إلى منطقة الكلية، فيضطر بعضهم إلى الغياب وعدم الحضور والالتزام، بسبب عدم توفر وسيلة مواصلات، ممَّا يعرضهم إلى تطبيق الأنظمة الخاصة بذلك عليهم، وهنا لابدَّ من التنويه على أنّ أي مشكلة قد تؤثر سلباً في مجريات الأمور الحياتية للطالب من دراسة وبحث وأداء للواجبات ومتطلباتها، بل قد تصل إلى تأثيرات نفسية سلبية لما تحمله من هموم أجرة الشقة التي تصل وسطا إلى 150$ شهرياً دون تأمين.
أمَّا الحلقات والصور المهمة والغريبة، عدم وجود مكتبة، وعدم توفر النت ضمن كلية الهندسة المعلوماتية، والواضح أنَّ طلابها يودّون الدخول إلى عالم الانترنت، بل يودون تفجير المعلومات والانفتاح الداخلي على الآخرين.
أتساءل عن دور منظمات المجتمع المدني وجمعيات رعاية التعليم، أكاد أصفها بأنَّها لافتات غير فعالة في المجتمع ولا تصل إلى المحتاج، فالتعليم يحتاج إلى الدعم المادي للنهوض في البلاد، وليس إحباط الطلاب وفرض مالا يستطيعونه، كفى .. فالجرعات السعرية أثقلت كاهل الطالب الذي يكافح للحصول على شهادة يكون بها عماد مستقبل أمتنا.
ونظراً إلى تدفق زيادة العراقيل أعيد التساؤلات عن مقولة (مجانية التعليم وتشجيع الطلاب للعودة والالتحاق بالجامعات ) أتساءل هنا عن الدور الذي يجب أن تقوم به وزارة التعليم العالي في الحكومة المؤقتة لضمان الحصول على تعليم جامعي! فهذا حق مكتسب، لأنَّ الطالب يحتاج إلى سكن وأجور نقل وكتب ومصروف تغذية يومي، ناهيك عن الكليات العلمية التي تحتوي مشاريع فصلية وأدوات هندسية أو طبية وزي مخصص، ودورات يلجأ الطالب إلى أخذها من مراكز ومعاهد خصوصية وبمبالغ مالية لن تجدها في ظلِّ جامعات واقعها لا يوفر أو يخفف من معاناة الطالب، ولا يواكب الخدمات المقدمة للطلبة الجامعيين في جامعات مماثلة في بلدان مختلفة، فقدرة الأهل على تحمل مصاريف الجامعة أصبحت شبه معدومة، ممَّا يضطر الكثيرين إلى الخروج من الجامعة وترك الدراسة مرة أخرى للبحث عن عمل حتى يوفر لقمة العيش له ولأسرته.
بشكل مختصر، هل الطالب مجرد دمية أو قطعة منحوتة من صخر ليس لها إحساس أو مشاعر أو ظروف طارئة واحتياجات ضرورية ؟؟
فرغم كل ما ذكرته من عثرات تبني جدران وتشكل عائقا حقيقيا لمواصلة التعليم في ظلِّ أوضاع اقتصادية طاحنة وغلاء للأسعار شكَّل الضربة القاصمة للطالب الجامعي، وزاد من مصروفه اليومي إلى أضعاف مضاعفة، فرغم رفع الدعم عن المحروقات الذي انعكس على كل مناحي الحياة، وعلى وجه الخصوص أجرة المواصلات المتزايدة بشكل جنوني والتي تشكل أبرز المعوقات، إلا أنّ التعليم سيظل غاية كلِّ شاب وشابة للوصول إلى مستوى اجتماعي يخدم فيه الدين والوطن والأمة والثورة.
قد يتألم البعض عند قراءة هذه العبارات، فكيف يكون حال من يعيشها ؟!
أخيراً: إنَّ ممثلي هذا المسلسل اللانهائي يقولون: “سنظل نرسم لوحة حياتنا بقلم الدعاء، ها قد أطلقنا العنان لأهدافنا، ولن تتوقف الحياة بسبب خيبات الأمل، لأنَّ عظمة الأهداف لا تحبطها الإخفاقات، ولأنَّ المستقبل ملك لمن يؤمن بجمال حلمه، فهذه المعاناة التي تفتك بأحلامنا لن تزيدنا إلا إصراراً لبناء آمالنا على الواقع المرير.