انتهى شهر رمضان، وجاء عيد الفطر ومعه فيض من ذكريات الألم، القابعة في نفوس السوريين جراء حرب العشر سنوات المستمرة، التي احتضنت عشرات الأعياد.
يأتي هذا العيد كالسابق والأسبق.. قسم كبير من الناس نازحون من بيوتهم وقراهم، إلا أنهم استقبلوه وهم يعيشون الخوف من سقوط مناطق جديدة في أيدي النظام، وآخرون خسروا أرزاقهم، وآخرون فقدوا أحبتهم وأشياء غالية على قلوبهم، فالعيد هذا العام حاله كما الأعياد السابقة في ظل الحرب، فهناك دائمًا ما يعكر فرحه ويعيد فتح الجروح، ففي كل أسرة وكل بيت قصة حزن وفقدان.
في هذا العيد صباح هذا اليوم الأغر المبارك، استيقظ الناس على أصوات التكبيرات تعظيمًا لجلال الله وعظمته، إلا أن الدموع صاحبت تلك التكبيرات من عيون (أم عمر) و (أم سعيد) اللتين تعيشان في مخيم للنازحين أول قرية (مشهد روحين) الواقعة شمال إدلب، فهذا أول عيد لا يستقبله أولادهما بالذهاب إلى الصلاة صباحًا ومن ثم العودة إلى المنزل ليقبلوا أيدي أمهاتهم ويهنئوهنَّ بهذه المناسبة العظيمة، فابن أم عمر (رامز) قبل أن يخرج من القرية العام الماضي في شهر آب، قصفت الطائرة منزله بالصواريخ، فجاءته الضربة في ظهره لتصيب النخاع الشوكي، فصاحبه الشلل طوال عمره، وكان ابن (أم سعيد) بصحبة (رامز) في تلك الأثناء فأُصيب الآخر برأسه.
وعلى بُعد ثلاثة بيوت من أم عمر وأم سعيد، تنهمر دموع العجوز (أبو محمد) وهو مستلقٍ على فراشه لمرور العيد الثالث عليه وهو بعيد عن دياره، يلتهمه المرض رويدًا رويدًا، تدور في مخيلته مشاهد لمنزله وأراضيه التي زرعها وكبرها بعرقه، ويشهد على ذلك الخشونة التي غزت يديه، فأراضيه الآن بيد عساكر النظام ومليشياته، يحاول أن يواسيه ابنه (مصطفى) المغترب في تركيا عبر مكالمة هاتفية، إلا أن الآخر يحترق قلبه كلما تذكر أنه لن يستطع قضاء العيد مع أهله بسبب إغلاق الحدود جراء فيروس كورونا، وفي الوقت نفسه لن يستطيع زيارة قبور أقاربه، ولا قبر ابنه الصغير الذي رحل قبل ثلاثة أعوام ودفن في القرية التي باتت محتلة أيضًا.وأما صديق (مصطفى) الذي اسمه (عبدو) فيمرُّ ست سنوات عليه في سجون النظام السوري، دون أن تعلم زوجته وأولاده أي خبر عنه، ليمر عليهم عيد إضافي ورب البيت مفقود كحال الآلاف من المعتقلين الذين غيبتهم ظلمات السجن.
في حين لم يسمح بعض الناس للحرب بأن تمنعهم من استقبال العيد بأبهى صورة، بالرغم من أنهم نالوا ما نالوه منها.
إذ تقوم (أم محمد) النازحة في مخيم (عبطين بدير حسان) بوضع الكعك والمعمول في أطباق الضيافة، ثم تذهب لتلبس أولادها ملابس العيد، تقول (أم محمد): “محال أن يمر العيد دون أن أعدَّ كعك حلو ومالح، فهي مناسبة تأتي فقط مرتين كل سنة، علينا أن نفرح بها وأن نشعر أولادنا ببهجتها، بالأخص أن أولادي لشدة فرحتهم ناموا وهم يحضنون الملابس الجديدة”.
أما جارتها (سمر) فقد ملأت أطباق (الكبة والسنبوسك) أرض المطبخ في منزلها الصغير، ثم اتجهت لتعد لابنتها القريبة منها (المهلبية) تقول سمر: “عائلتي تحب هذه النوع من الحلوى في أول يوم بالعيد، وأجهز تقريبا 30 صحنًا في كل مرة، والفرح بالعيد عبادة رغم القهر الذي نعيشه، فلا يوجد بيت إلا وفيه فقد وألم وغصة.”
و بعد أن لبس(أحمد) زوج (سمر) ثوبه الأبيض (الكلابية) وتعطر، صار يحصي النقود في جيبه مجهزًا إياها لإعطاء كل طفل يراه في المخيم عيدية أثناء عودته من الصلاة في الجامع، يقول لنا: “العيد من شعائر الله، وواجب علينا احترامه والاهتمام به”.
صور عديدة من المجتمع السوري في عيد الفطر للعام 1441، لم تختلف عن الأعياد السابقة بالنسبة إلى السوريين، سوى بازدياد الألم وتقلص مساحة المحرر، إلا أن العيد يبقى شعيرة إيمانية، وإظهار الفرح به واجب، ولعل العيد القادم يكون فرحًا يملأ قلوب السوريين بالحرية التي طالما أنشدوها منذ سنوات.