رقية مصطفى |
يعيش في المناطق المحررة شمال سورية أهالي وسكان من مختلف المحافظات السورية، إضافة إلى مهجرين من محافظات سورية أخرى كحلب، ودمشق، ودرعا، وحمص، وحماة.
وفي محاولة لاستطلاع التعايش القائم بين هذه المكونات، رَغم اختلاف عاداتها وتقاليدها، رصد (صحيفة حبر) بعض الآراء في الداخل السوري، والتقت ناشطين سوريين لسماع تعليقاتهم بهذا السياق.
ولدى التواصل مع الطبيب (منذر خليل) مدير صحة إدلب قال: “إن التعداد السكاني للمحافظة هو حوالي 3 ملايين نسمة، و67% منهم نازحون من مناطق سورية أخرى، والجميع يتعايش ويتعاون، وعلى سبيل المثال، فتح المقيمون أبوابهم واستقبلوا النازحين والمهجرين في مناطقهم، وامتد التعايش إلى فتح أبواب المباني الحكومية كالمدراس المحلية الموجودة، إضافة إلى تأمين المواد الغذائية والمعيشية لهم، ووسائط النقل ، وكل ما يتعلق بمظاهر الحياة”. وطرح (خليل) مثالًا حيًا قال فيه: “قمنا في مديرية صحة إدلب بضم الكوادر الطبية من الغوطة إلى كادرنا الطبي، وذلك حين نزحوا إلينا.”
وذكر (خليل) “لا يخلو الأمر من وجود بعض الحالات التي استغلت حالة النزوح، ورفعت أجور المساكن في المناطق التي استوعبت المهجرين.”
وختم بقوله: “في حال حدوث مشاكل بين سكان هذه المنطقة، يتم التعامل معها عادة حسب طبيعة المنطقة والمجتمع، بالتعاون مع المجالس المحلية الفاعلة.”
اقرأ أيضاً: روسيا تقدم عرضًا مغريًا لأهالي المعتقلين.. ماهو؟
كما قال المدني (عبد المغيث الصالح) لحبر، وهو دكتور في العلوم الزراعية: “بشكل عام يوجد تعايش سلمي بين سكان محافظة إدلب من جهة، وكافة سكان المناطق الأخرى القادمين إليها من جهة أخرى، ويتجلى ذلك بالتعايش الطبيعي ضمن المحافظة بمختلف المجالات، من السكن إلى مختلف النواحي الخدمية وحصول المقيم والنازح على مختلف الخدمات على حد سواء، وبدون أي تمييز”.
ولفت (صالح) الأنظار إلى “أن ما يعزز هذا التعايش خلق فرص العمل للفئتين (المقيم والنازح) وأيضًا تقديم الخدمات المختلفة بصورة جيدة، إضافة إلى عدم انخفاض الخدمات أو فرص العمل التي يؤدي إلى الصراع عليها، وبالتالي ظهور نعرة التمييز”.
وأضاف: ” يجب العمل على تقديم خدمة السكن والإسكان للفئة التي تقطن في المدارس ومراكز الإيواء بشكل أكبر.”
وتواصلت حبر مع (مضر حماد الأسعد) مدير الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، الذي قال: ” يعيش حوالي خمس ملايين نسمة في المناطق المحررة، ويوجد فيها ما يقرب من 1250 مخيمًا منها النظامية ومنها العشوائية (تجمعات) ويعيش في هذه المخيمات ما يقرب من مليون إلى مليون ونصف نسمة متفاوتة الحجم والتعداد”.
وأشار الأسعد بالقول: “من خلال تجربتي في تفقد هذه المخيمات وأوضاعها، ثمة سكان من مختلف المدن السورية في هذه المخيمات، وبالرغم من عدم معرفتهم ببعضهم البعض في البداية، إلا أن همهم المشترك الذي جمعهم ومعاناتهم جعلت من السهولة بمكان اندماج الجميع بسرعة كبيرة ( الشامي، والحمصي، والإدلبي، واللاذقاني، والحسكاوي) ووصلت بهم إلى الاختلاط بالدم والتزاوج فيما بينهم والتصاهر، وهذا جعل المخيمات كأنها عائلة واحدة كبيرة.”
وأضاف (الأسعد) أن “حالة عجيبة من الألفة أحاطت بأبناء الشعب السوري في المناطق المحررة في المخيمات جعلتهم يسرعون ويهرعون لنصب وبناء خيمة جديدة لمن تحترق خيمته أو يفقدها”، مشيرًا إلى أن “المخيمات السورية هي سورية المصغرة، وتعيش حالة من الوئام والمحبة فيما بينها”.
وختم بقوله: “على سبيل المثال فإن سكان مخيم (الركبان) على الحدود السورية والأردنية، فيه 15 ألف نسمة يعيشون الآن كعائلة واحدة في بيت واحد منذ ثماني سنوات وسط الصحراء القاحلة، صحيح أنهم 6500 عائلة، لكنهم أصبحوا اليوم كعائلة واحدة.”
وفي النهاية نقول: لا يمكن للعنصرية أن تجد طريقًا إلى المدنيين الذين تشاركوا الهم والمعاناة، لكن بعض ضعاف النفوس ممَّن لم يذوقوا ألم الحرب، وكانوا تجارًا فيها ومستفيدين من ويلاتها، يحاولون أن يفسدوا اللوحة السورية التي رُسمت في المناطق المحررة بألوان الألم والدم، وذلك من خلال أساليب كثيرة منها رفع الأسعار وسرقة مستحقات النازحين وخلق خلافات بين النازح والمقيم لمنع التآلف.