أ.شفيق مصطفى |
في عام 1965م نشرت (بتّي فريدان) كتابها “اللغز الأنثوي” وهو أحد الكتب المهمة التي نظَّرت للموجة الثانية في الحركات النسوية، والتي قالت فيه إن: “النسوية قضت نحبها”
استند الكتاب إلى استبانة نظمتها المؤلفة دعت فيها إلى إعادة تشكيل كامل للصورة الثقافية للأنوثة “بما يسمح للمرأة الوصول إلى النضج والهوية واكتمال الذات”، كما أنها دعت إلى وضع برنامج قومي لتعليم النساء يؤدي بهنَّ إلى العمل حتى لو لم يكن مأجورًا، والكاتبة تلتقي مع (سيمون دي بوفوار)، أهم منظري النسوية، في إلقاء اللوم على المرأة، لاستسلامها وضعفها أمام الرجل.
اقرأ أيضاً: مقدمات في فهم النسوية – البدايات في الغرب
تتميز الكتابات النسوية في الفترة الممتدة من الخمسينيات إلى نهايات الثمانينيات من القرن المنصرم بالبحث عن تعريف جديد للحركة النسوية، وقولبة جديدة للمطالب، وطروحات مختلفة عن الطروحات التي ركزت إليها الموجة الأولى.
فعلى سبيل المثال أخذت (لوسي اريجاري، هيلين سيسو، جوليا كريستيفا) وهنَّ من رائدات التنظير للحركة النسوية، بتحليل (سيمون دي بوفوار) لعملية تشكيل المرأة بحسبانها “آخر”، وبحثنَ عن الطرق التي تؤدي بها اللغة والثقافة إلى تكوين الاختلاف الجنسي.
وفي كتاب (جدلية الجنس) تقول (شولاميت فايرستون): “قمع المرأة هو أقدم نظام طبقي طائفي في الوجود، وأكثر النظم تعنتًا.”
اقرأ أيضاً: الموجة الثانية للحركات النسوية.. بدايات وأفكار جديدة
وعلى التوازي لم تكن الحركات النسوية بمنأى عن التغيرات السياسية والفكرية في العالم الأمر الذي ألقى بظلاله على التوجهات النسوية في هذه المرحلة، فانعكست النظريات السياسية عليها، فأنتجت توجهات نسوية مختلفة، فباتت التجمعات النسوية ساحة من ساحات الصراع الفكري، فهناك النسوية الليبرالية، والنسوية الماركسية، والنسوية الراديكالية، الاشتراكية ..
الشراكة بديلاً عن الأسرة
من أبرز معالم هذه المرحلة، المطالبة باستقلال المرأة عن الرجل، ووضع مؤسسة الأسرة تحت منظار النقد؛ فالأسرة إحدى مؤسسات القمع والتسلط الأساسية التي من خلالها كان يمارس الرجل سلطته الأبوية على المرأة!
وبما أن الأمر كذلك، فلنلغي مؤسسة الأسرة ولنستعيض عنها بـ(الشراكة) بين أي اثنين يرغبان في تأسيس حياة مشتركة، ولكن هل يشترط أن يكون طرفَا هذا العقد الجديد رجلاً وامرأة؟ ربما لا!.
وهنا ظهر أول انحراف خطير في هذه الحركة، بظهور النسوية (المثلية) ومحاولة إيجاد أرضية فلسفية فكرية تستند إليها، وقد انتشرت في هذه المرحلة مقولة: “النسوية هي النظرية، والسحاق هو التطبيق”.
توثِّق (سو ثورنام) في بحثها (الموجة النسوية الثانية) صدور كتاب: (المرأة كما تُعرِّفها المرأة) 1970م عن مجموعة من السحاقيات، ممَّا ورد فيه: “موقف السحاقية هو تعبير عن ثورة كل النساء“.. على المرأة أن تكون أكثر اكتمالاً وحرية ممَّا يسمح به مجتمعها عندها يصبح السحاق مرادفًا لتحرير المرأة!!.
وبدأ التركيز على جسد المرأة في احتياجه الاستقلال الذاتي، كون جسدها مناط القمع الذي مارسه الرجل عليها طوال القرون السابقة!.
عبَّرت (آن كودت) عن رفضها لهذا التوجه بقولها: “إن السحاقية هي الإنذار الأخير بأنكِ على وشك الخروج من عالم المرأة نهائيًا.. وهي تؤدي إلى نوع من التحكم غير المقبول في الرغبة الجنسية.”
اقرأ أيضاً: الموجة الثانية.. معالم المرحلة الجديدة
أختية النساء..
قد تكون النظرة الوردية التي ساقتها الناشطة والباحثة الأمريكية (روبن مورغان) راديكالية التوجه في كتابها (الأختية قوة)1970م عن التماسك الحاصل أو الذي ينبغي أن يحصل في الحركة النسوية قد استحالت سوداوية مع الانشقاقات الكثيرة والتشظي في جسم الحركة النسوية مع نهايات الموجة الثانية للحركة النسوية، فتمّ إجهاض تك النظرة قبل أن تتماسك، ففي العام 1978م في بريطانيا عقد المؤتمر الوطني لتحرير المرأة، وكانت أولى نتائجه الانقسام بين الاتجاه الراديكالي والاشتراكي النسوي، الأمر الذي تكرر في فرنسا وأمريكا بين توجهات تحمل الطابع الفكري أو حتى العنصري بين البيض والسود!!
وبذلك انهارت فكرة (الأختية) قبل أن تبدأ فعليًا، وتفرقت جهود النسويات في العالم، بل وبدأت تتحارب وتتصارع فيما بينها بسبب الطروحات التي بدأت تخرج عن الإطار الطبيعي للمرأة.