أ. شفيق مصطفى |
في ذلك الغار المطل على مكة بقي النبي صلى الله عليه وسلم فترات طويلة يتأمل حال أهل مكة والبشرية وما آلت إليه من سوء في شتى المناحي.
لقد كان حال المرأة في تلك الحقبة سيئًا وإن لم يكن على درجة واحدة من السوء!
انعكس واقع العرب بالمجمل على واقع المرأة في تلك الحقبة فالعرب كانوا إما سكان بادية أو سكان مدن، أما سكان البوادي فكانت معظم حياتهم قائمة على الغزو والنهب، فالقوي ومن يستخدم السلاح هو المقدَّم وهو العنصر الفعَّال والمرغوب فيه وهو هنا بطبيعة الحال الرجل لا المرأة، أضف إلى ذلك الغيرة الشديدة عند العربي والتي تدفع الرجل منهم لدفن مولودته التي لم يمضِ على ولادتها إلا لحظاتٍ أو دقائق خوفاً على سمعته من عار قد يلحقه إذا أُخِذت ابنته سبيّة في غزوة أو إغارة.
اقرأ أيضاً: الموجة الثانية للحركات النسوية.. بدايات وأفكار جديدة
وثَّق القرآن ذلك بقوله تعالى: ” وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ ..”
تصوير دقيق لتلك الحالة المزرية التي ينحط فيها الإنسان إلى قاع القاع، ويعقِّب القرآن على ذلك الفعل “ألا ساء ما يحكمون.
على الجانب الآخر إذا كانت المرأة ذات حظٍ وافر وولدِتْ في عائلة لا تقبل الوأد فكبرت وتزوجها رجل فمات يرثها ابنه الأكبر مثلها مثل بقية ما يتركه الميت من تركة!
مكة بلد تجاري
لقد كان لطبيعة الحياة التجارية لمكة أثرها على العلاقات الاجتماعية وحتى الأسرية داخل البيت، فالرجل هو من يخرج للتجارة وطلب الرزق ويسعى دومًا للوصول إلى مكانة مميزة ومرموقة في مجتمعه، بالتالي فلا يوجد للمرأة دور حقيقي فعليٌّ داخل بيتها.
يعبِّر عن ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله:” كنا لانعدُّ النساء شيئًا” ويقصد أهل مكة، ويقول كذلك ” كنا معشر قريش نغلِب النساء” أي في الرأي وإدارة البيت.
لايغير من الأمر شيئ وجود بعض الاستثناءات التي لم تكن ضمن الخط العام الذي كان سائرًا في مكة.
المدينة بلد زراعي
وإذا نحَّينا النظر قليلاً عن مكة واتجهنا للمدينة (يثرب وقتها) نجد أن الأمر كان فيه اختلاف واضح، فطبيعة العمل الزراعي للمدينة كان يفرض على المرأة أن تخرج مع زوجها وعائلتها للاعتناء ببساتين النخيل والتي كان عليها اعتماد أهل (يثرب) في قوتهم ومعيشتهم، ذلك الخروج شبه اليومي ألقى بظلاله على المرأة في (يثرب) وانعكس عليها قوةً في الشخصية وجرأةً في النقاش وحنكة في إدارة البيت، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” كنا معشر قريش نغلِب النساء فقدمنا المدينة فإذا قوم تغلبهم نساؤهم..” ، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها:” نِعمَ النساءُ نساءُ الأنصار لم يمنعهنَّ الحياءُ أن يتفقهن في الدين”
هذه الطبيعة للأسرة التي وجدها المهاجرون في المدينة بعد الهجرة كانت نتيجة سنوات من التراكم والفعل الاجتماعي.
امرأة تختلف عن امرأة..
كانت (يثرب) تضم خليطًا متنوعًا، ففيها أهلها من الأوس والخزرج والذين كانت بينهم حروب طويلة لم تنتهِ إلا قبل الهجرة بسنوات قليلة، كذلك كان فيها قبائل اليهود.. دين مختلف وعادات اجتماعية مختلفة.
هذا الواقع المتنوع للمجتمع في (يثرب) أثَّر في شخصية المرأة فاحتكاكها بنساء اليهود وكذلك قصص وإشكالات المعارك بين القبيلتين زاد من ثقافتها وأنضج معرفتها بالشأن العام وطبائع الناس.
أما في مكة فكانت الحياة أقرب ماتكون للحياة الرتيبة، مجتمعٌ من طبيعة واحدة ودين واحد ومدينة في مناخها وطبيعة نشاطها الاقتصادي لا يشجع بل ولا يسمح كثيرًا للمرأة أن تخرج خارج بيتها إلا في حالات نادرة، وطبيعة الرجال فيها مختلفة.
في ظل هذا الوضع نزلت في غار حراء الآيات الأولى من الوحي الذي انقطع عن الأرض سنوات طوال فكانت خمس آيات من سورة العلق كأول اتصال للوحي بين السماء والأرض منذ زمن عيسى عليه السلام فهل كان لها من إشارة أو تعرُّضٍ لقضية المرأة؟
سنعرِض لذلك في المقالة القادمة إن شاء الله..