بقلم محمد فخري جلبي -النرويج
تتعالى صرخاتنا على الواقع المحيط بنا، وتزداد لهجة الازدراء والسخط على كل شيء، لإدراكنا الخاطئ بأنَّنا نستحق أكثر ممَّا لدينا، لأنَّنا نشعر بأعماق أنفسنا بعدم الرضى والقنوت من أي بارق للأمل سيصيبنا، أو فسحة ضوء في نهاية مشوار العناء ستمد يديها الخفيتين لتصافحنا، ونبني لأنفسنا سرادبا من الخوف خشية الغد الممتد إلى ما لانهاية، ونزعم في خلدنا بأنَّ تلك السرادب خصصت لنا، ننظر إلى ما لا نستطيع تحقيقه، فنصاب بالكآبة، وتنقلب جميع الإيجابيات لدينا مع الوقت إلى سلبيات.
لم يعد الشكر على ما نملك يرطِّب لساننا، لأنَّنا لا نشعر بقيمة ما نملك، وكأنَّ ما لدينا شيئاً نملكه كأسمائنا مثلاً ولا يتطلب منَّا الحمد لو وُهبناه، والسبب في ذاك الشعور بأننا لا نعلم !!
فلو كنت تعلم عزيزي بأنَّك عندما تقدم الطعام لأطفالك أو لنفسك، وأنت من المحظوظين في العالم، لحمدت الله على تلك النعمة، فهناك آلاف الأطفال حول العالم يموتون يومياً بسبب الجوع، كما أنَّ هناك واحد من كل أربعة أطفال في إفريقيا يموت جوعاً يومياً.
لو كنت تعلم أيُّها الشاكي والباكي على كل شيء بأنَّك عندما تسكب كأسا من الماء لتروي ظمأك بأنَّك من ضمن المحسودين على تلك الهبة لتوقفت شكواك، ولمسحت دموعك.
ووفقاً لتقرير مؤسسة “ووتر إيد” الدولية ما يزال نحو 650 مليون نسمة من أفقر سكان العالم يفتقرون إلى المياه الصالحة للاستهلاك.
لو استيقظت سيدي ذات صباح وأنت تشاهد العالم بعينيك، وتنعم بجماله وبهائه الخلاب، فأنت من المولودين الجدد، أنت نجوت من مخالب الموت دون أي جهد منك.
إنَّ الإحصاءات العالمية توضح أنَّ العالم يفقد كل صباح أكثر من 153 ألف إنسان، وهو ما يعني أكثر من 107 وفاة في كل دقيقة.
إن كنت عزيزي الرافض لمسكنك، الطامح بقصرٍ مساحته ألف ألف متر يكون لك وحدك، ولا تشعر بأهمية السقف الذي يمنع عنك حرَّ الصيف وبرد الشتاء، أو كنت من المقيمين في الوطن رغم الفساد والظلم أو أي شيء هناك، فأنت من المباركين في هذا العالم، وممَّن كتبت لهم أقدار العزة والكرامة.
فقد ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنَّ عدد اللاجئين والنازحين في العالم ربَّما يصل إلى مستوى قياسي جديد ليتخطى 60 مليونا هذا العام، ويعني هذا أنَّ واحدا من كل 122 إنسانا هو شخص قد أجبر على ترك موطنه.
إن كنت يا صديقي تعتقد بوجود إله خلق هذا الكون، وأبدع في صنعه، وأتقن هندسة فضائه واصطفاف كواكبه، وبأنَّك تستطيع اللجوء إليه متى شئت لتشكوه ظلم بعض الناس لك، أو لتطلب منه رزقاً أو ولداً أو ما اشتهت إليه نفسك وأنت تعلم في باطن نفسك بأنَّك أودعت الرسالة عند من له القوة لفعل كل شيء، فسوف تشعر بالهدوء والسلام، وسوف تخمد نيران حقدك على من أجحف بحقك، لأنَّ هناك مليار ملحد بالعالم، وأنت وافر الحظ لأنَّك لست منهم، فالإلحاد هو بمعناه الواسع رفض الاعتقاد أو الإيمان في وجود الآلهة، هذا يعني بأنَّك لن تجد من تشكو إليه بثك وحزنك، ولن تجد من ترفع طلباتك إليه وتعتقد بأنَّها سوف تتحقق، وإن لم تتحقق فهو خير لك.
ومن أجل كل ذلك يتوجب عليك الرضى والشكر لمن أعطاك ما لديك على اختلاف ديانتك وعقيدتك، فأنت تملك المسكن، والطعام، والمشرب، وخلقت ليوم جديد، وتؤمن بوجود إله فوق كل شيء. فأنت أسعد من مئات الملايين في هذا العالم الذي يعاني فيه الكثيرون من كل شيء لا تراه، أنت ذو قيمة ولا تعير لهذا اهتماما.
عُد إلى نفسك وتواضع مع من أعطاك وخصَّك بالعطايا التي يحلم بها ملايين سواك، ولاتكن من المتشائمين أو ممَّن لفَّ لفهم، لأنَّك ستشاهد العالم بعين عمياء لا ترى شيء، وبقلب يبدل الفرح حزناً، وستتوهم بأنَّ كلَّ شيء من حولك وجد ليزيد من عذابك.
إذا كنت تشعر بأنَّ حياتك لا تسير بسلاسة، فتذكر بأنَّ الحزن مجرد مرحلة، وأنَّ السعادة قادمة، فهذا يساعد كثيرا في الحفاظ على شعورك بالارتياح، والسعادة.
عندما تمضغ الطعام، وترتشف قطرات الماء، وتأوي إلى سريرك آمناً مطمئناً، وتؤمن بإله يقف إلى جانبك عندما تحتاجه، فأنت ممَّن ينظر إليك مئات الملايين بعين الغيرة والحسد.
كن خير شاكرٍ لما ملكت، وكن وفياً لمن أعطاك ولم يمنع عنك ….