عبد الحميد حاج محمد |
وقعت حادثة اعتداء على إعلاميين وصحفيين في ريف إدلب يوم الأربعاء الفائت، وذلك تزامنًا مع مرور دورية مشتركة روسية وتركية، وتبيَّن أن العناصر الذين اعتدوا على الإعلاميين يتبعون لفصيل (هيئة تحرير الشام).
صحيفة حبر تابعت الحادثة والتقت (معاذ العباس) أحد النشطاء الإعلاميين الذين تعرضوا للضرب في الحادثة، وقد شرح لنا تفاصيل الواقعة بقوله: “على طريقm4 وتحديدًا على جسر أريحا، وبعد مرور الدورية المشتركة، صعد عناصر يتبعون لتحرير الشام على الجسر وبدؤوا يطلقون تساؤلات: (ليش عم تصوروا النساء) علمًا أن الموضوع منفي بشكل كامل، ونحن الإعلاميين كنا بطرف والنساء بطرف آخر، ثم أنزل أحد العناصر كاميراتنا على الأرض، وبدأت الملاسنات والمشادات.”
بدورها (صحيفة حبر) تواصلت مع مسؤول العلاقات الإعلامية في هيئة تحرير الشام (تقي الدين عمر) وسألناه عن الحادثة، فأجاب: “أصدرنا تعليقنا حول الحادثة في بيان نشرناه على الإنترنت، وأوضحنا ابتداءً رفض المسؤولين في هيئة تحرير الشام لما حصل بشكل مطلق، وهو ما دفعهم للتدخل وإجراء التحقيقات الأولية التي أفضت إلى إيقاف المتورطين وإحالتهم للقضاء.
وأكدنا أن انتماء الأفراد إلى المؤسسات لا يمنحها الحصانة فوق القضاء، ولا يبرر الإساءة أو التغافل عنها، وكان التعاطي مع حادثة الاعتداء خير شاهد على مصداقية كلامنا.”
تكررت مثل هذه الحوادث والاعتداءات في الفترة الماضية، وتعرض البعض من الإعلاميين للانتهاكات من قبل عناصر عسكريين، في حين يرى الناشطون برودًا في دور الفصائل تجاه معاقبة المسيئين واستمرار حدوث هكذا أمور.
يقول (تقي الدين): “إن هذه الأخطاء والتجاوزات ليست حالات متكررة، إنما حالات استثنائية ومعدودة، وإدلب تُعدُّ من أكثر الأماكن أمانًا للعاملين في المجال الإعلامي، فلا تقارن بغيرها من المناطق، والأخطاء مرفوضة من قبل القيادة بشكل مطلق، لكن قد يخطئ بعضهم في تقدير موقفه أو تصرفه وردة فعله، وهو أمر موجود لدى أي كيان أو مؤسسة كبيرة، لذلك تجد لدى الدول، وحتى أكثرها قوة وتنظيمًا، قضاء خاصًا يسمى (القضاء العسكري) الذي يُعنى بمقاضاة العسكريين على تجاوزاتهم وأخطائهم المدنية، فالخطأ أمر جبلي وفطري، ونحن نتعامل مع بشر، ودور القيادة وضع آلية لمعالجة هذه الأخطاء ومحاسبة المخطئ أيًا كان تحت سلطان القضاء، ويتم التدرج في الإجراءات القضائية بداية من استدعاء الأطراف والتحقيق معهم وتسجيل إفاداتهم وانتهاء بعرض القضية على القضاء لاستصدار الحكم.”
في حين يخبرنا (العباس) أن مكتب العلاقات العامة في هيئة تحرير الشام استدعى كل الإعلاميين الذين تعرضوا للضرب، وقدموا شكوى للقضاء العسكري لمحاسبة العناصر الذين ضربوا الإعلاميين أثناء أداء مهامهم.
وقد أكد (تقي الدين) أن العناصر الذين أساؤوا بحق الإعلاميين تم إيقافهم حاليًا من قبل القضاء العسكري، وأشار في حديثه إلى أن “الإعلاميين أسقطوا حقهم الشخصي، إلا أن الدعوى ماتزال قائمة بالحق العام.”
ولفت (العباس) إلى أن “حكومة الإنقاذ لا دخل لها بالحادثة، وأن من قام بالضرب عناصر لدى هيئة تحرير الشام، وليسوا أمنيين، وذلك بسبب وجود أحد الأمنيين الذين كانوا على جسر أريحا الذي دافع عن الإعلاميين، إلا أن العناصر قاموا بضربه كذلك.” بحسب ما روى (العباس).
وتحدث البعض أن هيئة تحرير الشام فصيل عسكري، فما علاقتها بعمل الإعلاميين مع وجود مؤسسات مدنية وحكومية متمثلة بحكومة الإنقاذ في إدلب؟! وتحدث البعض أن حكومة الإنقاذ هي المسؤولة عن محاسبة المخطئ ولا دخل لتحرير الشام.
أضاف (تقي الدين) أن “مديرية الإعلام التابعة لحكومة الإنقاذ، تُشرف على تيسير عمل الصحافة والإعلام، وإصدار البطاقات الصحفية وإعطاء تصاريح ممارسة العمل، وليس هيئة تحرير الشام، وأما علاقة الإعلاميين بالهيئة، فهي كعلاقة أي جهة داخلية أو خارجية تسعى إلى معرفة مواقف الهيئة من القضايا المتعلقة بالثورة وتعليقها على الأحداث الآنية (بحكم أن الهيئة هي أحد أهم مكونات الثورة، وهي فاعل أساسي في المنطقة داخليًا وخارجيًا)، ومن واجب الهيئة تفعيل مكتب العلاقات الإعلامية الذي يُعنى بفتح علاقات مع الإعلاميين وتوفير كل ما يلزم لعملهم.”
وعملت دائرة الإعلام في حكومة الإنقاذ على إصدار بطاقات صحفية، إلا أن الانتهاكات استمرت بحق الصحفيين من قبل الفصائل المسلحة، واستمرت عمليات إعاقة عملهم، وذلك بحسب مراقبين للعمل الإعلامي.
يقول (تقي الدين عمر): “يتم اتخاذ إجراءات تجاه بعض الجهات الإعلامية، ولأسباب معتبرة، منها الإضرار بالصالح العام للثورة، أو العمل مع جهات يشهد معظم العاملين في المجال الإعلامي على عدم مهنية خطها التحريري ونشرها ما يخدم العدو، فربما يعدُّ البعض أن هذه الإجراءات (عرقلة) للعمل الصحفي، وحقيقتها هي (ضبط) العمل الإعلامي ضمن معاييره المهنية والأخلاقية.”
وأضاف: “ومن باب الاطلاع على العمل المؤسسي في المحرر، فإن العاملين في مجال الصحافة والإعلام يحملون بطاقة صحفية تمنحه صلاحيات ومميزات لتسهيل عمله ونشاطه، وهذا الأمر غير موجود في المناطق الأخرى، فالبطاقة الصحفية تصدر من جهة واحدة في المحرر، ولا يحتاج حاملها إلى التنسيق مع كل فصيل موجود، وإنما تكفي هذه البطاقة لكي يمارس عمله بكل أريحية في جميع مناطق المحرر.”
ويرى البعض أن عرقلة عمل الصحفيين قيّدت من إيصال صورة الواقع إلى العالم الخارجي، وأرجعوا الأمر إلى السلطة المسيطرة على الأرض وهي هيئة تحرير الشام من خلال ما وصفوه بعرقلات وعدم توفير حماية لعمل الإعلاميين واستمرار الانتهاكات بحقهم.
ردَّ (تقي الدين) على ذلك بقوله: “إن دخول العديد من الوكالات العالمية الأمريكية والأوروبية مثل CNN وCBS و Vice News وBBC وARD وChannel4 وSkynews وغيرها من الوكالات والقنوات العالمية والإقليمية، وكذلك دخول وفود من كبريات الصحافة مثل Washington postو Wall street وSunday times و غيرها التي وثقت معاناة الناس وصدَّرت قضايا الثورة السورية إلى الرأي العام العالمي، لكفيل بالرد على هذا الكلام المُتحامل ضد المنطقة بشكل عام، والعديد من الإعلاميين في الداخل يوثقون الأحداث ويعملون لصالح الوكالات الغربية، لا أحد يمنعهم في توثيق أي حدث في الثورة كحال أي شبكة إعلامية من الشبكات المحلية، وتستطيع أن تجري استطلاعًا لدى العاملين في المجال الإعلامي في إدلب، لتسمع منهم ارتياحهم في العمل ضمن المحرر، بل إن العديد منهم سجل ثناءه في حسابه الشخصي لِما يجده من تعامل الهيئة مع الشأن الإعلامي ورعايتها لحرية الصحافة واهتمامها بتوفير بيئة صحية لممارسة العمل الإعلامي بكل شفافية.”