علاء العلي |
بعد غياب التصريحات التركية حول الوضع في محافظة إدلب لعشرة أسابيع فائتة، تعود دوامة التصريحات السياسية، لتواكب عدّة متغيّرات ميدانية وإقليمية وحتى دولية، فوضع إدلب المحافظة الجارة لتركيا جعلها بالنسبة إلى الأخيرة من أولويات إدارة الحكومة هناك، منعًا لانزلاق مفاجئ في تدهور أمني على الحدود الجنوبية.
ومع زخم الحشود العسكرية التي يقوم بها نظام الأسد، ثمّة حشود مضادة من قوات المعارضة السورية في الطرف الآخر، وزيادة بوتيرة الطلعات الجوية الاستطلاعية من الطيران الروسي في سماء المحافظة، تزامنًا مع تطورات عسكرية مهمة جدًا لمصلحة تركيا في ليبيا، يقابلها انكسار وتقهقر للحليف الروسي، كل تلك الأحداث عوامل دفعت بتركيا لرفع الصوت كإنذار مبكّر من رأس الهرم السياسي.
فتلميحات الرئيس التركي أردوغان التي يبدو أنها مُوجهة ومختارة بعناية نحو روسيا، والتي أظهر فيها عزم بلاده على عدم السماح بعودة المواجهات من جديد للمحافظة وريفها رَغم استفزازات النّظام المتكررة، هذه المرة مدعمة باتفاق سياسي بداية آذار 2020 الفائت مع الروس، وكذلك بواقع عسكري ميداني رشح عنه أكثر من 26 نقطة وقاعدة عسكريّة تركية في أعماق المحافظة.
إن تتقدم تركيا بخطوات حثيثة في الميدان الليبي، وتدفع بالمزيد من التعزيزات العسكرية في عمق المحافظة السورية، فهي تدرك أنّ انتقامًا روسيًا لحليفها (حفتر) قد يكون على الأرض السورية، ولهذا تراقب عن كثب، وتدفع بوزير داخليتها (سليمان صويلو) ليدخل المخيمات ويصرّح من هناك أن المنطقة باتت بالفعل تحت المسؤولية المباشرة من تركيا، تنمويًا وخدميًا وطبيًا وبالمحصلة أمنيًا، لذلك لن تتخلى عن هذه المسؤولية حتى يتحقق الحل السياسي الذي يتطلع إليه هؤلاء المهَجرون من بلداتهم وقراهم.
الموقف التركي يعمل حتى اللحظة بفنّ الممكن، ولكن يصعّد من تحقيق الممكن بإحراز مكاسب سياسية، وذلك من خلال كسب الموقف الأوروبي الداعم له مادّيًا وسياسيًا، وكذلك الرضا الأمريكي حول تقدم الأتراك في ليبيا والدفع بجائزة الترضية السورية كمحصلة جهدٍ ناجح، يؤكد ذلك مطالب أصبحت تتبنّاها أمريكا والأوروبيون عودة الاتفاق القديم نحو حدود سوتشي.
تملك تركيا عدة مناورات سياسية ميدانيّة تجعلها تحافظ على أهدافها الموضوعة على الطاولة، ولعل البطء في تنفيذ بنود الاتفاق الأخير في آذار الفائت يجعل الطرفان يخطوان بخطواتٍ مدروسة، فالّلعبة أصبحت خطيرةً، وإمكانيّة التصادم باتت أقرب في الساحة، ولا تُعدُّ تركيا أو روسيا أن في مصلحة أيّ منهما الانخراط في الصراع، لكن لا بد من التّذكير بين الفينة والأخرى بأنّنا هنا، من خلال الطيران الروسي والاستطلاع المستمر أو حتى من خلال زيادة الانتشار العسكريّ التركي في مناطق واسعةٍ من محافظة إدلب.
المساعي السياسية والتفاوض المتواصل بين اللّجان التركية الروسية يبدو أن العمل عليها مايزال جاريًا، لكن ملامح باتت تظهر للعيان مفادها أن مناطق جنوب M4 نقطة خلاف حتى اللحظة يتم عقد جلسات تفاوض حادّة، أمّا شماله فيبدو أن الأمور قد حسمت لمصلحة بسط نفوذ تركي خالص فيها.
من طرف آخر يُرضِي الروس كثير من الأطروحات التّركية المقدمة، التي تتبنى بمعظمها مسؤوليّة حماية طرق التّجارة وضمان أمنها، مُوحدةً بذلك جهد الفصائل في بوتقة واحدة وتسييرَ دوريّات مشتركة يؤول بنهايتها لإبعاد شبح الحرب، وعودة المهجّرين نحو المناطق الداخلية تمهيدًا لإيقاف إطلاق النار الشامل بعد انسحابات قوات النّظام السوري إلى حدود مورك.
لعل من أشد الخيارات قساوةً هو الانزلاق نحو الصدام، معظم المعطيات تشير إلى عدم رغبةٍ متبادلة روسيًا وتركيًا بوأد الحلول السياسية، فشبح كورونا مايزال يخيم بآثاره على البلاد، والمشهد العسكري في الداخل بات محميًّا قانونيًا مع القيصر بنفسه.