أ. شفيق مصطفى
كانت المرأة حاضرة بقوة في الآيات الأولى من الوحي، فأهلية المرأة للتكليف وتحمّل عبء تبليغ الرسالة ودعمها كانت في أول كلمة “ اقْرَأْ” ثم الإشارة إلى الأصل الإنساني المتساوي (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ) فطبيعة الرسالة (التوحيد) وعدم التمييز بين ذكر وأنثى إلا بالعمل الصالح.
اكتملت الصورة بيانًا حينما اتجه النبي صلى الله عليه وسلم وقد بلغ منه الخوف كل مبلغ إلى زوجته خديجة رضي الله عنها.
أربعة أمور فعلتها السيدة خديجة رضي الله عنها مع زوجها صلى الله عليه وسلم، إذ تفاجأت به على تلك الحال في مشهد يضعك أمام شخصية استثنائية في الفهم وحُسن التصرُّف.
- الدعم النفسي: فقد قامت بتغطيته برداء، وهدأت من روعه دون أن تسأل أو تناقش إلى أن ذهب عنه الخوف وهدأ.
- الإصغاء: انتظرته حتى أنهى رواية كل ما حصل معه في ذلك الغار.
- المحاكمة العقلية لما جرى ممزوجةً بالدعم النفسي: فبعد أن ختم النبي صلى الله عليه وسلم كلامه قال:” لقد خشيتُ على نفسي”، فهو وإلى الآن لا يدري هل الذي تعرَّض له خير أم شر!
وهنا جاء دور السيدة خديجة التي قالت: “كلا والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتكسب المعدوم، وتحمل الكَل، وتعين على نوائب الحق” فمن كانت تلك صفاته فلن يضيّعه الله.
- المشاركة في البحث عن حل لتلك (المشكلة) واقتراح الحلول لها: فاصطحبت زوجها صلى الله عليه وسلم في الصباح إلى ابن عمها ورقة بن نوفل والقصة شهيرة معروفة.
لم يتوقف دعم السيدة خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الحد، إذ هي أول من آمن به على الإطلاق؛ كما تذكر كتب السيرة دور السيدة خديجة الكبير في الدعوة للدين الجديد، وفي دعم النبي صلى الله عليه وسلم معنويًا وتشجيعه والتخفيف عنه، فالحمل ثقيل والمسئولية عظيمة، وماديًا في تغطية نفقات البيت من تجارتها إذ تفرَّغ النبي صلى الله عليه وسلم للدعوة والبيت فيه خمسة أولاد، إضافة إلى زيد بن حارثة وعلي بن أبي طالب وخادمة هي (أم أيمن).
فأول من حمل الدين بثقل البدايات إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم (امرأة) ولم ينسَ النبي ذلك وحفظ ودّها وحبها حتى بعد موتها بسنوات كثيرة.
عدد من النساء في دار الأرقم
دخل الإسلام في هذه المرحلة ما يسمى “فترة الدعوة السرية” وبالرغم من خطورة الانتماء إلى الإسلام في هذه المرحلة وسرية العمل وخصوصيته والضغط الأمني الذي يرافقه، فقد تجاوز عدد النساء في نهاية هذه المرحلة خمس عشرة امرأة!
كما شهدت هذه المرحلة بدء ظاهرة تعليم النساء فكنَّ يشاركنَ الرجال في تلقي الوحي ومدارسته في دار الأرقم. ولم يقتصر التعليم على تلك الدار بل امتد ليدخل في بيوت الصحابة وقصة (فاطمة بنت الخطاب) وزوجها عندما كان (خبَّاب بن الأرت) يعلمها هي وزوجها القرآن مشهورة معروفة.
أول شهيد في الإسلام.. امرأة
انتقلت الدعوة إلى مرحلة جديدة هي الجهر بالإسلام والدعوة له بشكل علني، وقد أمعنت قريش في تعذيب كل من علمت بإسلامه، ولم تفرِّق بين رجل وامرأة فنالت (سمية) أم عمار بن ياسر نصيبًا وافرًا من التعذيب وصمدت صمودًا عجيبًا أمام أكثر رجال قريش بطشًا بالمستضعفين (أبو جهل)، وقد وصل به الحال أن أفلست كل طرق الضغط التي مارسها عليها لثنيها عمَّا آمنت به، فلم يجد أمامه إلا القتل ليسكت صوت الحق الذي ظل يصدح في وجهه، فكانت أول من استشهد في الإسلام على الإطلاق.
مشاركة فعًّالة وحضور أسطوري للنساء منذ الأيام والأشهر الأولى للإسلام، اتسعت بعد ذلك لتبلغ مداها مع كل مرحلة انتقل إليها الفعل الدعوي وتنوعت أساليبه.