علي سندة |
يبدو أن الصراع في سورية قد اقترب من الفصل الأخير وبدأت ملامح نهاية تظهر بعد رسم الخريطة السورية الحالية، فبالنظر إلى الأطراف المتصارعة نجد أن إيران صارت بعد اتفاق روسيا-تركيا مطلع مارس/آذار من هذا العام، الحلقة الأضعف رغم ما بذلته من دعم للحفاظ على بقاء الأسد خدمةً لمصالحها، وذلك مقارنةً بحجمها الحالي في سورية ومآله، مع حجم المصالح الروسية والأمريكية وما وصلت إليه.
وربما ما يزيد العبء الإيراني (ظاهريًا) أمام باقي الأطراف، قصف إسرائيل المُتجدد لمواقع إيرانية في سورية، إذا لا يكاد يمرُّ شهر دون تجديد لقصف إسرائيلي على مواقع إيرانية أو مواقع لحزب الله في سورية، فالأسبوع الماضي وخلال أربع ساعات فقط، قصفت إسرائيل أهدافًا ضمن ثلاث محافظات سورية (السويداء، ودير الزور، وحماة)، وقبلها في شهر مايو/أيار قصفت مروحيات إسرائيلية مواقع جنوب سورية مرتين خلال أسبوع، فضلًا عن اعتراف إسرائيل في سنوات الحرب السورية الأخيرة أنها بدأت بتنفيذ غارات كثيرة في سورية، مُستهدفةً مواقع إيرانية ترى فيها تهديدًا لوجود إسرائيل، فما هدف الكيان الإسرائيلي من القصف؟ وما حقيقة وجود خلاف مصلحي إسرائيلي-إيراني بسورية؟
تكمن الحقيقة أن إسرائيل لاعب مهم وأساسي في سورية حتى لو لم تظهر بالصراع بشكل مباشر، فهي تُدرك أن الخطر الحقيقي الذي يُهدد وجودها مصدره العرب السّنة بالدرجة الأولى وليس إيران أو الأسد صاحب مبدأ (الاحتفاظ بحق الرد)، وما يجمعها مع إيران هو العدو نفسه؛ لذلك أطلقت يد إيران في سورية مُستغلة التعبئة الطائفية التي تمتاز بها إيران، بل يمكن القول: إن إيران عصا إسرائيل لمواجهة المحور العربي السني، وما العداء الظاهري بينهما، إلا من متطلبات اللعبة وقواعدها؛ لصرف أنظار العرب عن عدوهم الأخطر (إيران)، فاستُغِلت القضية الفلسطينية، ووُجّهت الأنظار نحو العداء الإسرائيلي المعروف لكل المسلمين أصلًا وليس للعرب فقط، وصارت إيران قطب مقاومة وجهاد إسلامي وحملت شعار تحرير الأقصى؛ للتغطية على حقيقة تغلغلها في المحيط العربي وتحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل بدءًا من العراق إلى سورية ودول الخليج، وكل ذلك برضا إسرائيلي، بل ودعم منها لإيران بالسلاح أثناء حربها مع العراق كما تشير مصادر عدة، بل والسماح لها بتطوير قدراتها النووية لجعلها قطبًا منافسًا لباكستان السنية النووية، ومؤخرًا إطلاق يدها بسورية.
أما لماذا يقصف الكيان الإسرائيلي مواقع إيرانية في سورية، فهنا تظهر حقيقة العداء الهشّ بين الطرفين، فرغم كل القصف الإسرائيلي لمواقع إيرانية بسورية وتجاوز الألف موقع قصفًا وتدميرًا، وتصريح الكيان الإسرائيلي بذلك باسم (الدفاع عن مصالحها) لم نرَ أي إرهاصات إيرانية للرد لنقول إن الصراع حقيقيًا وليس هشًا، علمًا أن الظروف الحالية فرصة مواتية لإيران لإثبات حقيقة عدائها تجاه إسرائيل وكسب ثقة العرب والسنة، بل تأكيد نيتها بتحرير القدس للمسلمين عامة!!
صحيح أن المصالح السياسية مشتركة بين الكيان الإسرائيلي وإيران في الشرق الأوسط بشكل عام فضلًا عن المصالح الاقتصادية، إلا أن إسرائيل لا تسمح بتجاوز إيران لخطوطها الحمر خاصة في سورية، إذ ليس من مصلحتها أن تكبر إيران أكثر من حدها؛ لأن ذلك يجعلها قوة إقليمية فاعلة تنافس وجودها ومصالحها في الشرق الأوسط عامة، وفي سورية بشكل خاص كون إسرائيل حدودية معها. لذلك ما تقوم به إسرائيل من قصف لمواقع إيرانية في سورية بين فينة وأخرى فرضُ وجود لا يخرج عن الفرضية السابقة، وهو رسالة للأطراف للمشاركة في رسم الحل النهائي بسورية، ولتحجيم الدور الإيراني بالاتفاق مع روسيا؛ وذلك للتوصل إلى اتفاق يرضي الجميع، والتخلي عن الاستمرار بصراع النفوذ بين الأطراف على الأرض السورية ضمن مباراة صفرية نتائجها لن تكون من مصلحة الجميع.