شفيق مصطفى |
كانت أيامًا عصيبة مرَّت على المسلمين رجالًا ونساءً، تشارك فيه النساء والرجال في حمل همِّ الرسالة والدفاع عنها حتى نالهم ما نالهم من التعذيب والقتل والحرمان.
ما يميز المرحلة المكيّة هو النضال الأسري؛ إذ إن أُسراً بأكملها أسلمت فعُذِّبت كما الحال مع أسرة (عمار بن ياسر)
تحرّك جريء والمرأة حاضرة من جديد..
بعد ازدياد التعذيب كانت الحبشة المتنفس الجديد والخطة (ب) فكانت هجرتان على مرحلتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
انطلقت الهجرة الأولى وكان فيها (11) رجلًا و (4) نساء، كان على رأسهم (عثمان بن عفان) رضي الله عنه، وزوجته (رقية) بنت النبي صلى الله عليه وسلم، اللذان قال عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنهما أول بيت يهاجر في سبيل الله من بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام.
ولكن لنتوقف قليلًا وننظر بعجالة إلى تلك الرحلة الخطيرة الشاقة، حيث كان على تلك المجموعة أن تسلك طريق الصحراء إلى الساحل، ثم تركب السفينة إلى الشاطئ الغربي للبحر الأحمر، ثم تنزل في أرض أهلها ليسوا من العرب!
كل ذلك كان يجب أن يكون خفية وبعيدًا عن عيون قريش التي ترقب كل تحرك متوقع وتفرض عليه أشد العقوبات.
فلا السير في الصحراء، ولا ركوب البحر (المملوء بالمخاوف والمجهول لدى العربي) ولا الدخول إلى أرض مجهولة تمامًا لا عرب فيها، منع النساء من مشاركة أزواجهنَّ في هذه الرحلة التي يرجون فيها ثواب الله.
كان يسع أولئك النسوة أن يبقين َفي بيوتهنَّ ويرقُبنَ إلى أي حال ستؤول هجرة أزواجهنَّ ولا يُعرِّضن أنفسهنَّ لتلك المخاوف والمخاطر، لكن أبينَ إلا المشاركة والحضور في كل مفصل.
لم يتوقف الأمر عند هذا العدد بل وصل في الهجرة الثانية إلى 19 امرأة!
عقد سياسي عسكري أمني والمرأة أحد أطرافه!
لم يكن لأحد أن يخرج سالمًا من ذلك الاجتماع الخطير الذي جمع عددًا من الأنصار (73 رجلًا) مع النبي صلى الله عليه وسلم لو علمت قريش بحدوثه!
في تلك الليلة تم عقد أخطر اتفاق سياسي عسكري أمني بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم (العدو الأول لقريش في ذلك الوقت) مع مجموعة من أهل (يثرب)، اللقاء الذي نتج عنه تأسيس وطن جديد للمسلمين، والذي تضمن مسؤوليات كبرى من حيث حماية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين واستقبالهم في يثرب وتأمين الملاذ الآمن لهم.
ومع كل هذا الجو الخطير الذي حفَّ بذلك اللقاء، ومع المسؤوليات العظيمة التي نتجت عنه، كانت المرأة حاضرة وشاركت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم في أول عقد سياسي في الإسلام تشارك فيه امرأة كطرف من أطرافه، فكانت (نسيبة بنت كعب أم عمارة، وأسماء بنت عمرو أم منيع) من جملة من حضر وبايع.
بهذه الصورة الملحمية خُتمت المرحلة المكية! لم يكن لأكثر المتفائلين في بداياتها أن يتوقع لها تلك النهاية
فمن حال كانت تدفن فيه الطفلة وهي حية وتكون (لا شيء) وتورَث مع متاع البيت وتحرم من أي دور في الحياة العامة، إلى حال جديد تكون فيه المرأة أول من أسلم، وأول من استشهد، وضمن أول بيت يهاجر، وتتعلم العلم وتشارك مع الرجل في تأسيس مجتمع جديد تكون أحد أطراف العقد المؤسس له، كل ذلك في فترة زمنية لم تتجاوز 13 سنة وفي ظرف أمني واجتماعي ضاغط!
على هذا الحال انتهت المرحلة المكية للرسالة، أما المدينة فوضع جديد وتطورات أسرع ومكتسبات أكبر حصلت عليها الأسرة (امرأة، ورجل، وأبناء) سنعرض لها في المقالات القادمة..