محمددرويش: أبوهماميمكنك أن تصنع كرة ضخمة من الاسمنت أو الطين وأن تتركها تهوي من سطح تلة، ولكنك لن تستطيع أن توقفها أو أن تغير مسارها، هذا ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال سياستها في الشرق الأوسط، فهي تصنع وتغير الكثير من الأمور لكنها تقف عاجزة عن السيطرة والتحكم بها بعد أن تتضخم وتخرج من يدها. وفجأة تصحو أمريكا “كما كان يحدث سابقاً”، والتي اعتبرت نفسها تدير الأزمة في سوريا جيداً لمصلحتها ومصالح حلفائها، لتجد أنها قد أخطأت في الحسابات، وأنّ عليها أن ترجع للمربع الأول، ولتجد أنها لم تصنع سوى كراهية وبغضاً عليها وعلى حلفائها الذين أتقنوا لغة الحضارة، ليخفوا جرائمهم ونذالتهم تحت عناوين براقة وجميلة. وتتخبط الإدارة الأمريكية مرة أخرى في تصحيح أخطائها، فيما تنجح الكراهية في صنع جيلٍ متطرفٍ لا يفكر سوى في الانتقام من الظلمة والمجرمين بل وصناعة جيل من الظلمة أيضاً. وكُشف في الفترة الأخيرة أنّ الإدارة الأميركية بدأت بمراجعة “استراتيجيتها “في سورية، بعدما اكتشفت أنه لا يمكن هزيمة “تنظيم الدولة “من دون الإطاحة بنظام بشار، وذلك لأن ضرب التنظيم يصب في مصلحة قوات النظام وميليشياته “كما يصرحون”، مدّعين بأن تركيز الإدارة على العراق أولاً، ووضع سورية ثانياً في سياق الحرب على تنظيم”الدولة “كان خطأ في الحسابات، ولكن الحقيقة والتي لا يريدون قولها إن ترك الأسد يصبُّ إجرامه على الشعب السوري سيخلق عدة تنظيمات “كتنظيم الدولة” أو سيرفد التنظيم نفسه ويقويه، بحيث يصبح من الصعب عليهم استدراك الأمر. وبعدما اكتشفت أمريكا وحلفاؤها، بعد أربع سنوات من التخطيط، أنها لم تستطع أن تصنع ميليشيا قوية “معارضة معتدلة حسب تعبيرها” تأتمر بأمرها، ويمكن أن تقود البلاد وفق مصالحها في سوريا، وأقصت القوى الثورية المقاتلة لنظام الإجرام في سوريا جميعها، وحتى المعتدلة فعلياً، من أن يكون لها دور في رسم مستقبل بلدهم بعد أن بذلوا له الدماء، راح منظروها وسياسيوها يبحثون عن حلول سريعة لسياساتهم الغبية. فجأة تظهر المبادرات السياسية والهدن ووقف القتال، وإرسال المبعوثين، وجذبُ بعض جماعات المعارضة لإقناعها بأنه قد حان الوقت للتفاوض، وأن يكفي بلدكم الدماء والتدمير، وكأن الدماء لم تكن تُرى فيما مضى، فقط” لأن مصالح الغرب والدول الكبرى حالياً هي وقْفُ القتال، أو تغيير بوصلته”. وفيما يرفض الشعب الأمريكي والغرب عموماً، أن يُرسل أبناءه ليقاتلوا ما يسمى “التنظيمات المتطرفة” في سوريا والعراق، بسبب تجاربهم الفاشلة في أفغانستان والعراق، وخسائرهم فيها دون أن يُحققوا مصالحهم، يسعى هؤلاء أن يستميلوا ويزجّوا بفصائل معينة للقتال بالنيابة عنهم، بعد إغرائها ببعض المكتسبات الحالية والمستقبلية، أو بالضغط على النظام والمعارضة السياسية للقبول بحل ينهي الصراع، وتوجيه البندقية” لتنظيم الدولة” المرفوضة شعبياً، وجبهة النصرة وحركة أحرار الشام وغيرهم من الفصائل التي يعتبرونها منظمات إرهابية، رغم أنّ لها اليد الطولى في الدفاع عن السوريين في وجه آلة القمع والإجرام. وحتى يحين ذلك الوقت يُبقون بشار وحاشيته وميليشياته تعيث خراباً، وتصبّ حممها على رؤوس الشعب السوري كورقة توازن، كما كانوا يفعلون طوال سنوات الثورة، بحيث لا تميل الكفة لأي من الطرفين “النظام والثوار”، ويمكن أن يُعيدوا إنتاج النظام من جديد، وتقويته في حال لم ترضَ الفصائل على الأرض، أن تقبل بحل تفاوضي مع النظام، أو تمكّنت جبهة النصرة والأحرار وغيرهم من السيطرة على المناطق المحررة وكلمة الثوار فيها.