غسان الجمعة |
تشهد العلاقات الروسية التركية في الفترة الحالية حدًّا أدنى من التوافق الذي يحرص كلا الطرفين على إظهاره في السياق الدبلوماسي، خلال التعاطي مع الملفات الساخنة التي يكونان فيها بحالة مواجهة، كما هو في ليبيا وسورية.
فعلى الرغم من رفضهما إقرار حالة التصعيد، وربط الأحداث في كلا البلدين العربيين بما يخدم مصالحهما، وجعلهما من سورية وليبيا صندوق بريد لتبادل الرسائل، إلا أن ذلك بات يتضح مع تسارع التطورات في ليبيا وانعكاساتها على سورية.
فالتهيؤ التركي لفتح معركة (سرت) المنطقة الغنية بالنفط والغاز والواقعة تحت سيطرة مرتزقة (فاغنر الروسية) وميليشيات إفريقية تعمل لحساب الإمارات، باتت قاب قوسين أو أدنى من عملية تدعم فيها أنقرة قوات حكومة الوفاق الشرعية التي أزاحت سكين حفتر عن رقبتها عندما وصل تخوم طرابلس العاصمة، وذلك بالتوقيع على مذكرة أنقرة الأمنية والاقتصادية، حيث اعتمدت فكرة المساعدات على قدر التنازلات بخريطة تحركها آبار النفط ومصالح الدول الداعمة للأطراف الليبية.
ومن ذلك الوقت بدأ الضامنان (روسيا، وتركيا) يقاتلان بالمضمونين في ليبيا لمصلحة تنفيذ أجنداتهما، حيث كانت روسيا أوضح بزج نظام الأسد في صفوف حفتر، من خلال تدريب المقاتلين وإرسالهم للقتال لدعم خططها في مدّ نفوذها هناك، كما أن أنقرة نظمت رحلات نقل المقاتلين السوريين، وإن كان لليوم بشكل غير رسمي، إلا أن الأمر بات مكشوفًا ومُحرجًا للجانبيين السوري والتركي.
ورغم كل ذلك لا يمكننا أن نعيب على ما تقوم الدول به لتحقيق مصالحها، سواء تركيا أو روسيا أو حتى ميليشيات الأسد المساندة لحفتر التي لا يمكن أن تلام على انخراطها هذا كونها رديفة لمرتزقة فاغنر وتدخل في ملاك بوتين بالنهاية.
إلا أن السكوت والتعامي من قبل قوات المعارضة عمَّا يحصل من صفقات غامضة بين الروس والأتراك، لم يعد أحد ينكر وجودها، بداية من توسع بوتين الأخير في أرياف حلب وإدلب الذي أعقبه بأيام سيطرة (حكومة الوفاق) المدعومة تركيًا على محيط طرابلس ومساحات شاسعة من الغرب الليبي، وليس نهاية بالهجوم المتبادل بين الأطراف على قواعدهما الجوية (حميميم الروسية – الوطية التركية)، وهذا كله يدلّ على ضوء أخضر متبادل من كلا الضامنين لتحقيق مصالحهما في كلا البلدين العربيين، وفي الوقت نفسه تُحمَّل الآثار الناجمة عن أي تصعيد عسكري بينهما للأطراف السورية والليبية.
علينا نحن المعارضة السورية أن نميز بين أن نكون حلفاء وشركاء مع تركيا، وبين أن نكون (معارضين سوريين) نقبل الانخراط بالمخططات التركية في أي ساحة دون أن نحسب الثمار السياسية والعسكرية التي ممكن أن نجنيها، فالسقوط شاهق لمن حمل بندقية ثائرًا، ثم غدا مقاتلاً مرتزقًا.
تركيا بلد يبحث عن دوره الذي يتناسب وحجمه في المنطقة، والانجرار الأعمى خلفها قد يولد لنا المزيد من الخيام وقوافل التهجير، واستهداف مدينة الباب بالتزامن مع تحضيرات معركة (سرت) الليبية فيه من الرسائل ما يكفي، كون المدينة ضمن الحزام الأحمر للعمق الأمني التركي الذي تنشئه أنقرة على طول الحدود، إلا أنها على ما يبدو ضمن أوراق اللعبة بيد بوتين في الشمال السوري، ومن أجل ذلك علينا أن نعي أن مكيال النفط الذي نكيله مع تركيا في ليبيا، قد يكيل لنا الروس به في سورية مكاييل دم، وشتان بين من يكيل بالنفط وبين من يكيل بالدم.