مريم أرادت أن تعبر عن تجربتها بالكلمات أدناه..
بداية أود أن اعرّف عن نفسي اسمي مريم ولدت في بلدة بسيطة من بلدات ريف معرة النعمان (حاس) كبرت وترعرعت وأذكر تمام أنه كان الاختلاف والتميز عن الآخرين النصيب الأكبرِ في حياتي، منذ الطفولة اخترت السلوك والمُضي في ذلك الطريق ألا وهو طريق العلم والتفوق، ليكتبه الله لي في كل سنة دراسية.
انطلقت ثورتنا المباركة التي أدت إلى التغير الجذري في حياة جميع السوريين.. بدأ التغير يحصل في عام 2013 عندما بدأ الحال بالسوء شيئا فشيئا، وسوء الأوضاع المعيشية الذي أدى إلى انعدام الأمان بالتدريج.
اختار والدي اللجوء إلى تركيا بعدما اضطر على ذلك كما فعل مثله الكثير من السوريين اللاجئين والمهجرين عن وطننا لسوء الحال والعيش فيه، فقصدت عائلتي المخيمات التركية في غازي عنتاب ليكتب لي القدر ٦ان أمضي وأعيش فيها قرابة خمس سنوات ،بدأت فيه ببناء نفسي والتأسيس للمستقبل المجهول الذي ينتظرني، لم أعلم أن الشهور التي كنت انتظرها للعودة إلى وطني تحولت إلى سنوات بلمح البصر هذا الذي حصل تماما.
درست في المخيم لمدة خمس سنوات من الصف السابع الإعدادي حتى الثاني ثانوي، أكرمني الله بالتفوق مرتبة الأوائل على مدى جميع تلك السنوات، واستطعت بذلك جذب أنظار جميع المعلمين والمعلمات وحتى الطلاب الذين كانوا يخلقون المنافسة والتحدي بيني وبينهم.
لقد توالت السنوات الخمس بسرعة معلنة الحكومة بانتهاء مدة المخيمات الأمر الذي لم يكن بالحسبان أبدا، وكيف وإلى أين سنذهب أسابيع قليلة وستفتح المدرسة أبوابها للعام الدراسي الجديد والأخير بالنسبة لي (البكالوريا).
لأسباب ما اضطرت عائلتي ترك ولاية “عنتاب” و الانتقال إلى ولاية “موغلا” التركية وما زاد الطين بلة أن الانتقال كان بعد شهرين من افتتاح المدارس لم أعلم أن موازين حياتي ستنقلب رأسا على عقب في تلك المدينة، التي لم تكن مرحبة بي منذ البداية.
فلا مدارس سورية فيها ولا حتى مراكز لتعليم اللغة التركية أو حتى أي مركز يقدم المساعدة أو الدعم للاجئين السورين المتواجدين هناك رافقه ضعف في اللغة التي لم أكن اتقنها بشكل جيد.
اقرأ ايضاً هندسة واقتصاد… حكاية سوريين تفوقوا في الجامعات التركية
هنا اضطررت إلى ترك الدراسة لأعود بلا شيء وكأن كل ما مضى هباء منثورا، كان الموت عندي أهون على فعل تلك الخطوة تملكني الخوف بطريقة هيستيرية كيف لي أن أدخل مدرسة تركية، كيف لي أن أشارك الطلاب الأتراك عاما دراسيا كامل مع ضعفي في اللغة، من المؤكد أنهم سيعاملونني بعنصرية وسخرية، فالمدينة بأكملها لا تحتوي على طلاب سوريين في الثانوية.
أفكار سلبية تأتي وأخرى تذهب والعام قد مضى، بعد ذلك العام قررت أمري وحسمت الأمر بأن أواجه مخاوفي مع نفسي “فإما أن يغلبني الخوف أو أغلبه“، وهذا ما حصل:
ذهبت إلى مديرية التربية والتعليم في منطقتي وأخبرتهم برغبتي بإكمال تعليمي وشرحت لهم عن كل ما حصل معي بسبب افتقارهم للمعلومات عن الطلاب الأجانب (السوريين) في تركيا، والذي حصل أنهم اختارو لي مدارس الأناضول الصعبة والفرع العلمي تحديدا تبعا لدراستي السابقة.
استقبلتني مدرستي الجديدة بترحاب شديد فيا مرحبا بالضيف الجديد عليهم، توالت الأيام بالدراسة والضغوطات فكان على عاتقي إتقان اللغة أكثر وفهم الدروس والتأقلم مع الحياة الجديدة، وهكذا إلى أن مضى الفصل الدراسي الأول الذي كان حافلا بالأحداث والمواقف، منها الجيدة ومنها السيئة، وكان هنالك شيء من الحساسية بيني وبين زملائي في بعض الأحيان.
عانيت الكثير بتكوين علاقات الصداقة معهم، وكان لبعضهم نظرة العنصرية أو التفاخر بعض الشيء لكوني السورية الوحيدة التي تدرس في الثانوية في مدرستهم والمدينة بأكملها.
لقد كانت ساعات الدراسة طويلة جدا كونها كانت باللغة التركية لتمتد أحيانا حتى الرابعة صباحا، الحمد لله أنني نجحت بمعدل جيد جداً، وإتقاني بشكل ملحوظ للغة التركية .
بدأ الفصل الدراسي الثاني ليظهر لنا فيروس كورونا الذي غير مسار العالم بأكمله، تم إنجاح جميع الطلاب على علامات الفصل الدراسي الأول، بعدما تم إرفاق مجموع السنوات الماضية مع سنتي الأخيرة تبعا للأنظمة المتبعة في تركيا.
أكرمني الله بتفوقي وحصولي على المرتبة الأولى على مستوى المدرسة وعلى زملائي الأتراك نفسهم.
سررت جداً بهذا الخبر ولكن من قال أن السعادة تدوم، أخبرتني إدارة المدرسة بعدم استطاعتي الحصول على تلك المرتبة، بل وعدم الاعتراف بي بأنني من المتفوقين حتى!! والسبب أنني أحمل جنسية أجنبية(سورية) وليست بحوزتي الجنسية التركية.
هل سمعتم من قبل ب”الشعرة التي قسمت ظهر البعير” هذا ما حلَّ بي بعد ذلك الخبر فبعد طول انتظار وصبر اثنتا عشرة سنة وبالرغم من الدرجات التامة التي حصلت عليها يصبح العائق الوحيد هو “جنسية”!!؟
اقرأ ايضاً تعرَّف على السوري الذي شارك بترجمة مسلسل السلطان (عبد الحميد)
لم يلبث على القرار إلا ساعات قليلة عندما قدمت لهم كامل اعترضاتي، فهذا حقي الطبيعي كطالبة علم كان نصيبها أن تتكرم في مدرسة تركية، بغض النظر عن الجنسيات وبالفعل هذا ما حصل، قاموا بتكريمي وقدموا لي شهادة تقدير كانت المرة الأولى التي تقدمها المدرسه لطالبٍ ما، وملامح التفاجؤ تكسو معالم وجههم لتفوقي على أقراني الأتراك.
_ها أنا الآن أستلم شهادتي الثانوية بتفوقي وإحرازي على المرتبة الأول على مستوى ثانويتي التركية، لأكون أول طالبة سورية تتخرج من الثانوية التركية في ولاية موغلا وبتفوق أيضآ.
لقد كتب الله لي أن يكون تخرجي وانهائي 12سنة دراسية في هذه السنة وفي هذه المدينة، هذه ليست سوى نهاية بسيطة لبداية أخرى لن أملّ عن تكليلها بالتفوق والنجاحات جديدة في مسيرتي هذه.
أهدي هذا النجاح لأمي وأبي خاصة وإلى جميع الأحباب عامة لجميع أساتذتي الكرام أهديكم نجاحي، لقد كان لي الشرف العظيم بأن أمثل وطني وشعبي في هذه المدينة كطالبة علم، وأثبت لهم بأننا أصحاب قضية ورسالة، ولن نلبث حتى نوصلها للجميع “فأينما أنبتنا الله أزهرنا“.
شكرا لكل من ساهم في هذا النجاح ولو بكلمة، دعوة، أو حتى نصيحة أهدي هذا النجاح لأرضي ولوطني الذي سنعود إليه يوما ما لنبنيه ونعيد قوامه من جديد ، بمداوة الجرح وبناء الحطام وتعليم أطفالنا فلقد أوجدنا الله مع البركة.
1 تعليق
احلام الرشيد
بالتوفيق يا مريم والله انت مصدر فخر لنا جميعا
حماك الله يا بنيتي وادام لك والديك الكريمين
نسال الله ان يحقق لك كل امانيك
لكل مجتهد تفوق وتميز ونجاح مبهر
انت رائعة يا مريم 🌺👏👏👏👏👏