حين تضيع البوصلة..
خمس سنين عجاف للثورة السورية، حملت في طياتها آلاماً وآمالاً، ظهر فيها معدن الأمة الذي غاب ردحاً من الزمن، فوجدنا في بلاد الشام المباركة شعبا لا يستكين،شعبا يبادل الوفاء بالوفاء، والكرم بالكرم، ويقدم الغالي والرخيص من أجل ما يريد، شعبا يبتسم في وجه كل شيء، يبتسم للعدو والصديق..شعبا تصدر منه معاني البطولة في كل نواحي الحياة التي يعيشها ببساطتها، يخلق منها المعجزات، يصنع بمحدوديتها الإبداعات، يحقق بطموحاته ما يريد..نعم إنَّه الشعب السوري العظيم، الشعب الذي تُستحق التضحية من أجله، فمن يملك مثله لا يكتب له إلا التمكين..فخلال أعوام وليس عام من الصمود والتحدي في وجه كل عدوان، يواجهه بصبر وحكمة وتأنٍّ، ويتجلد ويستبشر بغدٍ أفضل ..وعلى الرغم من ذلك … لا ندري أين المحطة، فلأسباب التي تحول دون نجاح الثورة واضحة، منها النزاع السياسي الذي أدى إلى التشتت والتفرق وظهور أسماء جديدة متزايدة من الفصائل، لكل منها توجه وفكر وبرنامج خاص بها…
ناهيكم عن الائتلاف السوري المعارض الذي لم يتمكن إلى الآن من تحقيق هدف رئيسي يوحد المعارضة ويجمع الجهود، ويجعل من الثورة جسدا رئيسيا تنطوي تحته أكبر عدد من الفصائل…
لكن يبدو أننا مازلنا بحاجة إلى سنوات أخرى لإدراك النجاح بعد تدارك مخاطر لم تكن بالحسبان، كالنزاع وتورط أبناء البلد بالاقتتال المتصاعد بشكل متكرر…
هذه الفتن ليست إلا نعمة للنظام، ومخطط فوضوي عاصف بالمنطقة، فهذه الصراعات كوارث على ثورتنا …
أما تعلمنا من سنوات مضت حين تضيع البوصلة نتسارع لشكر العدو لتقديمه بعض المساعدة في أوربا، وننسى أنَّهم هجّرونا وقبل ذلك قتلونا؟!
حين تضيع البوصلة نرغب في جمع الدنيا، وننسى كثيرًا من القيم والمبادئ…
حين تضيع البوصلة يجرب العالم العربي والغربي كل تجاربه بالسوريين، ويعلن النفير العام إذا جُرح أحد مواطنيه المحميين.
حين تضيع البوصلة لا يجني أهل الشام من التزام الفصائل بالهدن والمفاوضات التي فرضها الغرب سوى القتل والتشريد.
حين تضيع البوصلة نعيب زماننا والعيب فينا… وما لزماننا عيب سوانا.
أترانا نسينا لماذا خرجنا؟ ومع من؟ وضد من؟ أم أننا نتناسى؟!
لا بدَّ أن نعاير بوصلتنا الموجهة لقراراتنا، وأن نعيد ضبطها باستمرار حتى لا تضل السفينة الطريق أو تتحطم بفعل صخور التغيرات العاتية…
لا بدَّ من صيانة الجهاد والحفاظ على مكتسبات الثورة…
لابدَّ أن نستذكر، فثمة أهداف نشترك بها، وعدو مشترك نتقاسمه هو نظام الأسد…
مع التنويه على أنَّ كلَّ فرد مسؤول بمواجهة كل اقتتال داخلي ومحاربته والعمل على إسقاطه على أساس الوحدة الشاملة لأبناء المنطقة، فكل مخططات الأعداء ستنهار أمام مشروع الوحدة الذي أمرنا الله به ورسوله…
وفي هذا السياق فإنَّه من غير الممكن محاسبة المقاتلين خلال احتدام المعارك، وإن اجتماع الفصائل لن يكون سوى من خلال إيجاد كيان سياسي موحد مستقل من كلِّ داعمي الخارج…لذا نهيب بقادة الفصائل أن أنصتوا جيداً لشعب منحكم شرف قيادته؛ لتعرفوا ما يريد وليس ما تريدون، لتميزوا الصديق من العدو، لتحقيق ما تحتمه مصلحة الشعب، وليس لتحقيق مكاسب سياسية فئوية مؤقتة، فالشعب ليس بجاهل قط عمَّا يدور حوله.
وأخيرا: لا نملك إزاء كلِّ المؤامرات إلا أن نقف صفًا واحدًا ضد مشروع التمدد الصفوي في الدول العربية، ونترفع عن الخلافات، لأنَّ الأفعى لن تبقي ولن تذر إذا ما تُرك رأسها يمرح.
محمود جوّاد