شمس الدين مطعون |
على قصاصات الورق الصغيرة، وبقلم رصاص وبضعة أقلام أخرى من الألوان الزاهية، كانت أنامل الطفلة التي لم تتجاوز الأربع سنوات تخط رسومات منوعة، تارة ترسم دبابة وعلى جانبيها الجنود، وتارة أخرى عصافير صغيرة وصبية يمرحون، كما ترسم أميرات ديزني (باربي، وملكة الثلج).
هكذا كانت (شهد) تقضي أيام الحصار الطويلة التي عاشتها في مدينتها داريا، حيث كانت كراسة الرسم صديقتها الوحيدة التي رافقتها طيلة تلك الأيام الثقال.
وبعد تهجيرها مع عائلتها إلى إدلب انتقلت برفقة صديقتها (كراسة الرسم)، وحملت ما استطاعت من رسوماتها الصغيرة معها، واستمرت بالرسم والتلوين لتبدأ موهبتها تتجلى بوضوح أكبر، وتصبح لوحاتها بعد مدة قصيرة حديث الطالبات ومعلمات المدرسة الجديدة التي انتقلت إليها.
تقول (شهد) وقد بلغت ١٢عامًا في حديثها لـ(حبر): “لقد بدأت الرسم في سن مبكرة جدًا، وكانت أمي دائمة التشجيع لي، كان الرسم الملجأ الوحيد الذي كنت أقضي فيه أيام الحصار الصعبة، فلم تكن تتوفر أي وسائل ترفيه أخرى، فالتلفزيون بدون كهرباء، ولا ملاهي وحدائق في ظل القصف، وأصبح الرسم هوايتي وتسليتي في الوقت ذاته”.
تنهي (شهد) رسم خصال الشعر للأميرة السمراء التي رسمتها، وهي شخصية جديدة ابتكرتها ريشتها الصغيرة، لتعود وتقول: “عندما أحزن أبدأ بالرسم، وعند الغضب كذلك، وأنا سعيدة أرسم فتظهر لوحاتي معبرة عن حالتي، فقد أصبح عالمي في الألوان وبين الورق”.
ترسم (شهد) لوحات مختلفة تتنوع بين المناظر الطبيعة والشخصيات الكرتونية المحببة إليها، كما بدأت مؤخرًا باستخدام تطبيقات الجوال الخاصة بالرسم لابتكار شخصيات (إينمي) جديدة ورسومات متحركة.
كما شاركت (شهد) في المعرض الذي أقيم في مدرستها بلوحات استوحت قصصها من أيام الحرب والحصار الذي عاشته في داريا.
وتتخذ الرسامة الصغيرة من زاوية بيتها ركنًا خاصًا بها، وفي ذلك تقول: “أعده مرسمي مع أنه لا يحتوي إلا على إسفنجة للجلوس وعلبة الألوان ودفتر الرسم ” وأردفت متمنيةً: “كم أتمنى أن يصبح لدي مرسمي الخاص، وأن أستطيع الاحتفاظ بجميع رسوماتي”.
فقدت (شهد) الكثير من رسوماتها بعد هجرتها من داريا، وتكرار مرات النزوح في أرياف إدلب حيث تقيم، نتيجة حملات النظام العسكرية على المنطقة، وتحلم كمئات الأطفال بانتهاء الحرب وعودة الهدوء، كما تتمنى العودة لبيتها الذي أخذ حيزًا كبيرًا من رسوماتها، إذ ترسمه مرة مدمر، وأخرى حوله الأزهار. تبدأ (شهد) بتلوين لوحة (الأميرة السمراء) التي أنهت رسمها للتو، وهي تقول: “دائمًا أرسم وأحلم أن أصبح متميزة أكثر في هذا المجال الذي أحببته، وبدأ بالنمو والتطور معي منذ صغري، وآمل أن أفتتح معارض للوحاتي، وأتحدث للناس عنها”.