علي سندة |
مصطلح التطبيع سياسيًا في أبسط تعريفاته هو “كأن شيئًا لم يكن” أي عفا الله عمَّا مضى، ودعونا نفتح صفحة جديدة، تكون العلاقات فيها طبيعية بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان، نعم هكذا فعلت الإمارات (العربية) المتحدة يوم الخميس التاريخي 13 آب 2020 مع الكيان الصهيوني، وقالت لزواج المساكنة بينهما وداعًا، ومرحبًا بعقد شرعي لسفاح علني، ضحيته القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين.
المشكلة في التطبيع حقيقةً ليست متوقفة عند قرار حاكم (عربي) بمباركة أرض فلسطين لليهود وإعادة العلاقات، إذ إن خطوة الإمارت في التطبيع ليست مفاجئة، نظرًا لموقفها في صفقة القرن ومباركتها قرار ترامب، فضلًا عن الروابط الاقتصادية المتينة التي تربطها مع الكيان الصهيوني وعدائها تجاه حركات المقاومة والربيع العربي، إنما السؤال الذي يفرض نفسه: أين موقف الشعب الإماراتي أولًا من التطبيع، ثم باقي أصحاب القضية الفلسطينية من عرب ومسلمين وحتى مسيحيين؟ أيعقل أن يصل التخدير والخنوع إلى وصف بعض المغردين الخليجيين، وتحديدًا من الإمارات والسعودية والبحرين، الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بالخطوة العظيمة والشُّجاعة! وهذا لا ينفي وجود بعض المعارضين للتطبيع.
تقول الإمارات إنها طبعت العلاقات مع الكيان الصهيوني مقابل وقف الأخير قرار ضم الضفة الغربية، في مبرر يحفظ ماء وجهها! بينما يقول نتنياهو معلقًا ومباركًا: “إنه السلام التاريخي”، لكنه يردف ويقول في الوقت ذاته: “لم أشطب موضوع بسط السيادة على الضفة من جدول أعمالي ودون النظر إلى حدود 1967.” والسؤال الحقيقي هنا: ما حقيقة التطبيع الإماراتي الصهيوني إذا كان نتنياهو نفسه فنَّد موقف الإمارات من التطبيع ولم يمرر لها فرصة حفظ ماء الوجه؟
إن حقيقة التطبيع هي مكسب سياسي آخر يضاف إلى رصيد نتنياهو، عززه بتأكيد ضم الضفة الغربية وعدم تخليه عنه، وفي الوقت نفسه التطبيع ليس نتاج سنة أو سنتين، إذ إن الإعلام الصهيوني عمل خلال عشرات السنوات على التقارب الإسرائيلي العربي والتطبيع إعلاميًا، فبعد أن تهيأت الظروف المناسبة خرج التطبيع سياسيًا إلى العلن، ولو أنه اتُّخذ وقت موضة القوميات، لربما حدث ربيع عربي خليجي مبكر وأطاح بالمنظومة الحاكمة وظيفيًا برمتها، ودليل نضوج التطبيع الإعلامي قبل السياسي مباركات الشعب للتطبيع الحالي قبل الحكومات.
ومن جانب آخر الإمارات هي الدولة الأنسب لتكون (وجه مقابحة) كما يقول العامَّة، وتكسر حاجز الجليد بين العرب والكيان الصهيوني في التطبيع، إذ إنها تمثل محور الشر الحالي في عدائها للربيع العربي، وقتل الحريات الناشئة أنَّى وُجدت، وبتطبيعها الحالي لن نستغرب خطوات مماثلة لدول (عربية) تحذو حذوها، كالبحرين التي سارعت لمباركة الخطوة الإماراتية، وسلطنة عمان، والسودان.
إن خطوة التطبيع الإمارتية مع الصهاينة، تحصيل حاصل لثمرة تعاون مشترك على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والرياضية والثقافية والاقتصادية، والطبية، ولا أدلَّ على ذلك من افتتاح مشاريع طبية مشتركة بين الإمارات والكيان الصهيوني في ظل كورونا لتطوير لقاح، ودعوة الإمارات إسرائيل لحضور معرض (إكسبو 2020 ) الذي وصفه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية بأنه أمر طبيعي ومنطقي، وقول السفير الإماراتي لدى واشنطن (يوسف العتيبة) بأن إسرائيل والإمارات لديهما جيشان من أفضل الجيوش في المنطقة، وفتح الجاليات اليهودية في الإمارات مطاعم، فضلًا عن استثمارات العديد من اليهود في الإمارات وتحكمهم بتجارة الألماس خاصة.
الإمارات ليست الأولى في التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن ما فعلته خطوة تستند إليها في تعزيز حلفها مقابل تركيا وحلفها، خاصة في ظل توتر الأوضاع شرق المتوسط.
وللتنويه فقد سبق الإمارات بالتطبيع قبلاً، الأردن باتفاق وادي عربة عام 1994، وسبقت مصر الأردن باتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، إلا أن التطبيع الحقيقي السري مع الصهاينة أكثر من ذلك بكثير، إلا أن القضية الفلسطينية ستبقى متطبعة في وجدان كل عربي مسلم مهما بلغ التآمر مداه.