دعاء علي
مع استمرار النزيف البشري وخاصة الشباب، أصبحت قيود نفوس السوريين تحت مسميات جديدة هي: (مفقود، معتقل، شهيد، نازح، مهاجر) الأمر الذي أدى إلى تفاوت كبير بين أعداد الذكور والإناث، وتضخّم أعداد الأيتام والأيامى؛ وأخل كثيراً في توازن الحياة الاجتماعية.
وإن لم نأخذ الأمر بالاهتمام الكافي على نطاق واسع ستحل بنا كارثة اجتماعية خطيرة، وعندئذ لن نستطيع السيطرة عليها فيما بعد.
لنكون أكثر واقعية وموضوعية، ونكون متفهمين وأصحاب نظرة بعيدة، فنحن كلُّ أمر نود القيام به لا بدَّ لنا من أن نأخذ برأي شرعنا العظيم فيه، فتعدد الزوجات هو موضوع بحثي اليوم.
والطريف أو المؤسف في الأمر أنَّني عندما أردت استطلاع آراء زميلاتي في الزواج الثاني، ثرنَ وكأنَّ الأمر قد وقع، وكانت ردودهن متشابهة إلى حدٍ كبير، فهن يتمنين موت الزوج على زواجه بثانية. وكم أعجبني قول العلامة الحويني عندما قال:
(تعلم المرأة بأنَّ زوجها يخونها وتصبر وترضى، وعندما تعلم بأنَّه سيتزوج مرة ثانية تثور وتغضب وتطلب الطلاق، فكيف لها أن تسكت وتبقى معه وهو يرتكب الحرام وتمنعه عن قيامه بالحلال؟!) .
لا شكَّ أنَّ دين الإسلام أكثر الشرائع التي رفعت وأعلت من شأن المرأة، وقدّرها وأعطاها مالم تكن تحلم به، وهو نفسه الذي شرّع تعدد الزوجات، فهذا دليل قاطع على أنَّ هذا التشريع ليس منقصة ولا نيلاً من كرامة المرأة بل على العكس من ذلك يجب أن نعطيها بعداً آخر وهو بقاء المرأة الحاضنة بكل معنى الكلمة والناضجة والمتفهمة.
السيدة التي فقدت زوجها ليست من كوكب آخر، فهي من نسيج مجتمعنا ومن حقها علينا أن نأخذ مأساتها بعين الاعتبار، وأن ننظر نظرة عميقة بعيدة عن الأنانية والخصوصية ونحترم رأيها وحقها في الحياة ونبتعد عن مراقبتها وتضييق الخناق عليها. يكفيها أنَّها أصبحت الأم والأب في ظلِّ ظروف صعبة للغاية على أسرةٍ مكونة من ثلاثة أفرادٍ أو أكثر لا معيل لهم غيرها، هذا الذي بحدِّ ذاته أرهق مئات الأسر ممّن آباؤهم وأمهاتهم على قيد الحياة، فكيف بها لوحدها تتحمّل كلَّ هذه الأعباء وهي تسعى جاهدة ليل نهار لتأمين ما يسدّ رمق أطفالها، وإن وجد لها أخوة فليس سهلاً عليهم الوصول إليها.
فهل نتركها ومعاناتها، ولا محل لها في حياتنا كما تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب؟
الحقيقة المرّة أنَّنا نتركها وكأنَّها مصابة بمرض خطير ومعدٍ، تتجنبها المحيطات بها من أقارب وجيران خوفاً منها على أزواجهن، حتى أصبحت في موقف لا تحسد عليه وتتمنى الموت أيضاً.
أختي الزوجة: لدينا جهل كبير بشرعنا السمح، ونحن نعلم أنَّنا لا نؤمن حتى نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا، فهل نحتكر الحياة وننكرها على غيرنا؟ وماذا لو تخيلنا لدقائق أن نكون غداً في قطارهن ونعاني ما يعانين هؤلاء الأيامى؟
فنحن بمجرد سماعنا قصص معاناتهنّ وتعبِهنّ في الحياة نشفق عليهن، ولكنّ هذه الشفقة لا تكاد في أوجها أن تصل إلى الحد الأدنى مما يعايشونهن بكل قسوة.
ومن أوجه الأنانية أنَّ المرأة لا تقبل بزواج زوجها بينما تقبل أن تزوّج أختها أو ابنتها من رجل متزوج؛ وقد اتخذت ذريعة لفعلها بأنَّ الزواج سترة، وأنَّ الزواج الثاني ليس حراماً عندما لا يكون لزوجها.
عزيزتي الأم حواء: علينا رفع سقف الوعي لدينا، وإدراك إقبالنا على كارثة اجتماعية حقيقية إن استمرت الأوضاع في بلادنا بهذا الشكل وعجلة الموت لا تقف عندها، سأرضى وأنحني لشرع الله الذي رفع من شأني وجعلني كائنا حيًّا له مكانة عالية بكل معنى الكلمة بعد أن كانت المرأة مجرد متاع يرثه الوارثون.