“صمود حلب وعدم سقوطها في يد الفرنجة رغم حصارهم المديد لها عام 1124م نقطة تحول هامة في تاريخ العالم لأنها حالت دون تشتت الشرق كلّه ليصبح إمارة لاتينية” المستشرق البريطاني آرلوند توينبي
ربما يكرر التاريخ نفسه اليوم، فصمود حلب اليوم في وجه غزاتها يحول دون أن يتحول الشرق العربي على الأقل إلى ولاية إيرانية، بينما تنتهب تركيا حروبها الداخلية ومواجهات لا تنتهي مع الانفصاليين الأكراد، ويعاني الخليج من اقتتالات طائفية وجماعات متطرفة، وتصبح مصر بوابة جديدة لاستعمار أوروبي أمريكي لأفريقيا وعهد فاطمي جديد يتسم بمزيد من الغدر والخيانة والجريمة .
الحرب التي يسعى العالم اليوم لحسمها في حلب من شأنها أن ترسم مستقبل العالم في الفترة القادمة، وهي لم تعد معركة اعتيادية تحتمل الفوز أو الخسارة، لقد أثقلتها الحمولة المعنوية والاستراتيجية في افئدة المتحاربين حتى صارت تعني نصراً كاملاً أو هزيمة كاملة .
لا يريد أحد أن يحارب بعد حلب، فسقوطها سيسقط كل آمال الفريق المنهزم، والتسوية السياسية أمر يصبح مرضياً للجميع على أسوار المدينة المحترقة، من أجل تجنب أي لحظة يمكن أن تكون حاسمة.
منذ ثلاثة أشهر .. وحلب تدمر بقوة نيرانية مفرطة، استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة المحرمة وغير المحرمة، ولا تزال صامدة بشكل أسطوري عجيب، وتحيا على الرغم من أنّ الموت لا يغادر سماءها وأرضها على الأطلاق، وعلى الرغم من جميع الخلافات التي تكتنف أبنائها وتضرم الحرب فيما بينهم.
خسرت المدينة الكثير، ولكنها لا تزال تقاوم كواحدة من آخر قلاع الشرق التي ترفض فتح أبوابها للغزاة، لتبقى باباً مغلقاً وعصياً أما البيزنطيين والروم والمغول والصليبين والتتار والصفويين الجدد .
المدير العام / أحمد وديع العبسي