ضمن سياسة الحروب إذا أردت أن تقتل الحياة فهذا يعني أن تقضي على أصل الحياة وما يساعد على استمرارها، وهذه بالفعل السياسة التي يتبعها النظام ومعه شريكته روسيا ضمن المناطق المحررة في مدينة حلب التي ما تزال تشهد في الفترة الأخيرة أعنف وأكبر حملة قصف ممنهج تستهدف بمجملها المناطق السكانية، ضف إلى ذلك التركيز الكبير على استهداف المراكز الحيوية المهمة فيها، أبرزها المشافي والمراكز الطبية الموزعة ضمن المناطق والأحياء، حيث تعرضت المشافي والنقاط الطبية لقصف عنيف أدى إلى خروج معظمها عن الخدمة وذلك نتيجة للأضرار الكبيرة التي لحقت بها جراء ذلك القصف، وكأنَّها رسالة موجهة للمدنيين مفادها ” سنقتلكم ونقتل ما يحييكم”.
لم يكتفِ الناس بمجرد القصف، بل حُرموا من المكان الذي من المفترض أن يكون محايداً عن كلِّ عمليات الصراع بين جميع الأطراف ألا وهو المشفى أو النقطة الطبية وما يتبعها من مركز إنساني يقدم خدمات إنسانية للمدنيين.
هذا وتعرض مشفى القدس في حي السكري التابع لمنظمة “أطباء بلا حدود” إلى غارة جوية أدت إلى دماره وخروجه عن الخدمة، إضافة إلى استشهاد ما يقارب خمسين مدنيا من بينهم مسعفين وممرضين وثلاثة أطباء، أحد الأطباء هو طبيب الأطفال الوحيد في مناطق حلب المحررة، إضافة إلى أعداد الجرحى الكبير والبعض منهم حالته خطرة.
كما تعرَّض مشفى البيان في حي الشعار إلى غارة جوية نتج عنها أضرار مادية كبيرة لحقت بالمشفى، إضافة إلى استشهاد حوالي عشرة مدنيين وعدد من الجرحى، وقد صرَّح أبو حازم قائلاً:
“بسبب غارة جوية من قبل طائرات النظام استهدفت مشفى البيان في حي الشعار استشهد عشرة مدنيين وجرح خمسة عشر آخرون، وما تزال فرق الدفاع المدني ومنظومات الإسعاف تقوم باستخراج العالقين والشهداء من تحت الأنقاض، كما أصيب اثنين من الكوادر الطيبة بجروح خفيفة، إضافة إلى خروج سيارتين من منظومة إنقاذ عن الخدمة نتيجة هذا الاستهداف الذي أدى بالأصل إلى خروج المشفى عن الخدمة.”
وأضاف أبو حازم قائلاً: “نقول لبشار الأسد وأعوانه: كفاكم قتلاً للناس وتجبراً وطغياناً، الناس لم تعد تحتمل أكثر من ذلك فهي ملَّت من القصف والقتل، نطالب جميع المنظمات الإنسانية بتحمل مسؤولياتها، وأن تتدخل بشكل فوري لإنقاذ المدنيين من أقوى وأبشع المجازر التي ترتكب بحقهم.”
وفي سياق متصل لم يَسلم أيضاً مستوصف المرجة ولا مستودع الأدوية في حي المواصلات، والمركز الطبي في حي بستان القصر من الغارات والصواريخ التي ألحقت بهم أضراراً مادية كبيرة وأوقفتهم عن الخدمة، ناهيك عن الغارات التي استهدفت مشفى الصاخور لأكثر من مرة إلا أنَّه تتم فوراً عمليات الترميم اللازمة والضرورية لمواصلة تقديم العلاج للمدنيين.
مشفى عمر بن عبد العزيز لم يكن بعيداً عن مرمى صواريخ الغارات الجوية التي استهدفت القسم الشرقي منه، موقعة إصابات خفيفة بين المدنيين، وملحقة به أضراراً مادية تسببت بخروجه عن الخدمة ريثما تتم أعمال الصيانة والترميم اللازم له.
ومن بين المشافي التي قد تعرضت للقصف وخرجت عن الخدمة المشفى المركزي ومستوصف دار الوفاء في مساكن هنانو، ومشفى الحميات ومشفى دار الشفاء وغيرها الكثير من المشافي.
غارات متواصلة ذات دقة عالية تستهدف المشافي والنقاط الطبية التي بالأصل تحتاج إلى المزيد من الكوادر المؤهلة والأطباء من كافة الاختصاصات، إضافة إلى النقص الحاد الذي تعانيه من ناحية التجهيزات والمستلزمات الطبية وسيارات الإسعاف المجهزة بأهم ضروريات الإسعافات الأولية، إضافة إلى وجود نقص في الدواء، أيضاً الأطباء والممرضون والمسعفون لم يسلموا من القصف، والذي بالتالي ما يزيد من قلة أعداد الكوادر الطبية العاملة.
كلُّ ذلك يسبب عوائق في المجال الصحي الذي من الواجب أن يكون متكاملاً خاصة في ظلِّ الظروف التي تعيشها المدينة من مجازر يومية وأحداث دموية، وكلها بحاجة إلى رعاية واهتمام، متعذرة جراء المجازر المتواصلة في كل ساعة، لتغص المشافي والنقاط الطبية بأعداد الشهداء والجرحى والعالم من حولهم يكتفي بمشاهدة المشهد.
إنَّ ما يحدث بالمختصر عبارة عن إبادة جماعية وعملية تفريغ ممنهجة يهدف لها النظام من خلال تلك الحملة.
لقاء وتصوير: عمر عرب