يبدو أن التجمعات والمنظمات النسائية والتيارات التي تهتم بالمرأة في سوريا، هي واحدة من أهم مراكز الاستهداف السياسي للتنظيمات والأحزاب السياسية والقوى الإقليمية إلى جانب الشباب، وقد ذكرت ذلك بشكل سريع في المقالة السابقة.
وإن أكثر ما يتم التركيز عليه حالياً هو توطين المفاهيم النسوية، وضرورة مشاركة المرأة سياسياً، من أجل إيجاد مخرج سياسي للقضية السورية.
ومع توسع مفاهيم الحريات، والمشاركة الفعلية للمرأة في مجالات الحياة المختلفة والعمل، وعدم وجود منظومات سياسية سابقة تهتم بالنساء أو تعمل على توعيتهم بمفردات العمل السياسي، والمشاركة بالحياة السياسية، جعلت الباب مفتوحاً لمختلف التيارات والإيديولوجيات لتمارس اجتهاداتها الخاصة في ميدان حراك المرأة السورية، بما فيه من سلبيات وإيجابيات وحماس واندفاع غير منظم، أساء في كثير من الأحيان لهوية المرأة السورية وثقافتها والعادات والتقاليد التي تحيط بها، وجعلت من هذا الحراك يبدو تمرداً على المجتمع بدلاً من أن يتم تقديمه على أنه حاجة ملحة يجب العمل على تمكينها ودعمها لتأخذ دورها الحقيقي والمهم في هذا السياق.
بالإضافة إلى توليد نوع من العنف والعنف المضاد في فهم طبيعة الحراك النسائي السوري، الذي استند إلى ايديولوجيات غير واعية بطبيعة هذا المجتمع سواء عند التيارات المتشددة أو تلك التي تعد متحررة فوق العادة، فيما بقي التيار الذي يحاول أن يوازن بين هذين الطرفين ضحية للصراع المحتدم بينهما، دون أن يستطيع صياغة هوية واضحة قائمة على الاعتدال في مواجهة ثقافتين محددتين بدقة وتحملان أيديولوجيا ساطعة.
في هذا السياق تفعل الدعاية فعلها، كما يفعل المال والقدرة على التنظيم واحتضان المشاريع التي تملأ الفراغ عند الناشطات وتوفر لهم فرص العمل فعلها أيضاً، وتسهم إلى حد كبير في تكوين الثقافة الجديدة وخلق الصراعات البينية بين مختلف الثقافات المطروحة من أجل الوصول إلى تيار سائد يمثل التوجه العام للمرأة السورية، دون أن تتم مراعاة تمثيل الهوية الأصيلة التي تنتمي لها غالبية النساء السوريات في أي من المحافل السياسية الرسمية سواء في منصات المعارضة أو النظام، وإن هذا التجاهل المتعمد هو أحد أبرز أشكال إعادة صياغة هوية المرأة في سوريا لصالح التماهي مع النموذج الذي يتم تصديره ودعم وصوله.
وهذا أحد أهم التحديات التي يجب على المرأة مواجهتها، لكي تختار هي بعناية ما تريد أن تظهر به في عملها السياسي دون ضغوطات إيديولوجية أصبحت واضحة جداً في عدد كبير من المجالات بدءاً من المنصات الدولية مروراً بمنظمات المجتمع المدني ووصولاً إلى اهتمام الإعلام والمنظومات الإنسانية.
أنا لا أدعو المرأة هنا لتبني موقف محدد، ولكني أدعوها لتكون واعية لحجم الاستقطاب حولها، وأن تكون حريصة جداً على أن لا يتم التعامل معها كحالة تزيينية أو أحد أدوات الضغط السياسي على الآخرين، وإنما يجب عليها أن تنطلق من موقف واعي بحقوقها وواجباتها وإرادتها السياسية وتموضعها المهم جداً داخل المجتمع السوري، وأهمية الحفاظ على هذا التموضع لكي لا يسبب الخروج منه في حالة من التمرد إلى انهيارات مجتمعية وأخلاقية وأسرية تكون كارثية للجميع.
المدير العام | أحمد وديع العبسي