بقلم: مروة عاصي
– الهجرة كلمة تداولت مؤخراً في بلدنا وأصبح لها وقعٌ في كلِّ مكان، وكثيرة هي الأسر التي فرقتها ظروف الحرب الراهنة فتعددت أسباب الهجرة منها: دينية وسياسية، أو بدافع الكوارث مثل انتشار الأمراض أو الحروب، إضافة لظهور البطالة وقلة فرص العمل.
وهذا ما شهدته سورية مؤخراً هجرة الكثير من أبنائها لأوروبا أو لدول الجوار بحثاً عن حياة أفضل، أو لمستوى معيشي أحسن أو الدراسة أو هرباً من تهديد، عدا عن الصعوبات التي تواجههم من إتقان اللغة، وساعات العمل الطويلة ذات الأجور المنخفضة، والمعاملة غير العادلة من السكن والتوظيف.
ورغم كل هذه الصعوبات التي تواجه المهاجرين، إلا أنَّ النجاة من شبح القتل والدمار كانت الدافع الأكبر وراء هجرتهم.
ففكرة الهجرة ليست جديدة ولكنَّها فرضت نفسها بقوة هذه الفترة، بالرغم من كل المعوقات التي فرضتها الدول الأوروبية للحد من تدفق اللاجئين عن طريق شبكات التهريب غير الشرعية، ناهيك عن ارتفاع تكاليف الهجرة والمخاطر البحرية التي أودت بحياة الكثيرين من الشباب والعائلات، بل وامتدت مخاطر الهجرة لتطال فرص الزواج وتكون أحد مسببات العنوسة في المجتمع.
فقد نشرت “وكالة طه الإخبارية العامة” إحصائية أعدتها إحدى الإذاعات الهولندية التي تناولت موضوع العنوسة في بعض البلدان العربية، وتبين أنَّ سورية باتت تعاني من نسبة عنوسة مرتفعة وصلت إلى 70% لتحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد لبنان.
فقد كانت مسببات العنوسة وتبريرات تأخر سن الزواج قبل الحرب يعود إلى الأعباء المادية ومتطلبات الزواج الباهظة. أمَّا بعد الثورة فالأمور ازدادت سوءاً وظهرت أسباب كثيرة لارتفاع نسبة العنوسة في سورية، ومنها ارتفاع تكاليف المعيشة، وصار حلم الحصول على منزل في منطقة آمنة هاجسا يراود كلَّ شاب مقبل على الزواج، إضافة إلى الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي دفعت الشباب إلى العزوف عن فكرة الزواج وهجرتهم خارج البلاد.
ويرى البعض أنَّ الاستقرار المادي والنفسي له دوراً مهماً في نجاح الزواج ممَّا يجعله بالأمر الصعب في ظلِّ هذه الظروف، وتحقيق حلم تكوين أسرة في أوروبا أكثر أمناً.
وتروي إحدى الصديقات تجربتها … وتقول:
“بعد أن تمَّ عقد زواجي على شاب قرر الهجرة إلى ألمانيا، بعد أن قدمت له إحدى الصحف عرضاً بتصوير رحلته إلى ألمانيا كاملة وعرضها على مواقع التواصل والتلفاز مقابل تسريع أوراق لم الشمل، وما زلنا ننتظر حتى الآن استكمال الإجراءات التي وعدونا بها وهو الآن يعمل كمترجم ليساعد عائلته في الأعباء المادية وتأمين حياتنا المستقبلية من ناحية أخرى.
عدا عن كثرة الخلافات التي أصبحت من تفاصيل حياتنا اليومية نتيجة عدم الاستقرار النفسي، فلم يكن السفر من أولوياتنا، ولكن الظروف الراهنة لم تترك لنا سوى هذا الخيار الذي أصبح يهدد علاقتنا”
إنَّ كثيراً من الأهالي يفضلون بقاء بناتهم عازبات على أن ينجبن أطفالاً ويترملن في وقت مبكر من حياتهن خاصة لو كان الشاب من المقاتلين.
فحالة الشباب وقلقه من المستقبل جعلت من هجرته هاجساً لتأمين حياته ومستقبله، والبحث عن الأمان خارج حدود الوطن، لتزداد حالات العنوسة وتضاف لقائمة الظواهر التي ساهمت الحرب بشكل كبير بتفشيها.
وهنا تبدأ مهمتنا في العمل على زيادة الوعي لدى الشباب للتنبيه إلى خطورة هذا التحول، فحالة الهجرة قد تتحول من ظاهرة فردية إلى ظاهرة اجتماعية يصعب القضاء عليها من خلال هجرة أصحاب الكفاءات والشهادات العلمية، ويبقى الوعي والتنبه أمراً ملحاً لمنع تحول هذه الحالات إلى ظاهرة قد تشكل عبئاً مجتمعياً خطيراً قد يتسبب في تشوه كامل المجتمع.
ولكن يبقى السؤال: هل الوطن (فندق) نغادره عندما تسوء فيه الخدمة؟ أيصعب علينا تحمل صعوبة الظروف القائمة؟ وهل أصبح الزواج مطلباً ملحاً في أوروبا ومهرباً في سورية؟ أم أنَّ الروح أغلى من كل شيء؟