غسان دنو |
دفعت ظروف الحياة الصعبة معظم الأهالي في سورية لتأمين لقمة العيش بشتى الوسائل المتاحة ومهما بلغت التضحية، لكن هناك من لم يجد عملاً يدر عليه دخلاً يعينه على الحياة، أو لديه التزامات مالية كبيرة بسبب سفر أو إجراء عمل جراحي لأولاده، أو لا يملك ثمن إيجار منزله، راح يعرض أجزاءً من جسده للبيع! مثل (الكلية) كما حدث مع زوجين في دمشق مؤخرًا.
وحتى هناك من قرر بيع إحدى خصيتيه ليحصل مبلغًا يهاجر به إلى تركيا وأوربا، ولكن الحالة الأغرب التي انتشرت مؤخرًا بين الأهالي في مناطق سيطرة النظام هي (بيع خصل الشعر لصالونات الحلاقة والتجميل).
ولمعرفة المزيد عن هذه الظاهرة (صحيفة حبر) حاولت التواصل مع عدد من السيدات اللواتي عرضنَ خصلًا للشعر برسم البيع ضمن صفحة تسوق تحمل اسم (شو اشتريتي؟ حلب)، لكن لم تقبل السيدات التواصل مع جهة تعمل في المناطق المحررة خوفًا من بطش النظام، فحصلنا على المعلومات بشكل غير مباشر عبر الدردشات كزبائن محتملين.
(أم ريم) من سكان مدينة حلب بالقرب من حي جمعية الزهراء، عرضت خصلة شعر لابنتها ذات 12 عامًا فقط، بمبلغ زهيد قدره 35 ألف ليرة سورية لا غير.
وعن السبب قالت: “إنها مضطرة لتساعد زوجها سائق التكسي بمصاريف الحياة، وطالبتنا بتأكيد الشراء؛ لأن هناك العديد من النساء اللواتي يردنَ شراء الخصلة.”
ومن خلال التصفح صادفنا (آية) التي تعرض خصلة للبيع بُنية اللون ومجدولة بشكل أنيق، وتطلب من المشتركين في مجموعة التسوق إفادتها بكم ثمنها، موكدة أنها طبيعية 100% وليست مصبوغة.
وعن الأسباب التي تدفع السكان في حلب لبيع خصل الشعر الذي تعبت الأمهات في تمشيطه وترتيبه، قالت لنا السيدة (دايلا) وهو اسم مستعار: “إن هناك العديد من العائلات التي اضطرت لبيع خصل الشعر بسبب الفقر الذي ألم بهم، وبسبب اليُتم.”
وتضيف: ” الأمر طبيعي من شدة غلاء الأسعار حتى لو باع الرجل كليته ليعيل أسرته بطعام وشراب بسيط، أما الفاكهة فهي منسية، وأتمنى لو أستطيع الهجرة خارج مناطق النظام، وهذه أمنية الأغلبية.”
وعن ضيق الأحوال التي دفعت الناس للتجارة بأجزاء من أجسادهم، تقول ذكاء (أم لثلاث أطفال): “ليست الفاكهة فقط ما نفقده، حتى أن مشروبنا المفضل القهوة أصبح من الرفاهية، فلا يمكن أن نشرب أكثر من فنجان إلا إذا زارنا ضيف ما.”
وتتابع: “تحتاج أبسط عائلة 200 ألف شهريًا للمصروف، وأفضل عامل لا تتجاوز أجرته 120 ألف بالشهر، فما بالكم إن كان موظف دولة وراتبه أقل من هذا!”
أما (سلمى) لم تؤكد أمر انتشار البيع، أو ربما غير مهتمة، ولكن تقول: ” عادي هناك أناس (بطرانة) وعالم تحت خط الفقر، فمن الطبيعي أن نجد من يبيع ومن يشتري.
فالأمر للأغنياء رُقي وشوفة حال، والشعر الطبيعي عليه طلب أكثر من الصناعي الرخيص، وهو بريستيج بين سيدات المجتمع في الحفلات والمناسبات.”
وللوقوف عند رأيي الشرع حول بيع الشَّعر حرام أم حلال؟ وهل يحق للمرأة أن تبيع شعرها إذا كانت في وضع خاص كالحاجة الماسة للمال؟! أجابنا الباحث في الفقه الإسلامي (أ. شفيق مصطفى) خريج كلية الشريعة من جامعة حلب، يقول: “بالطبع حرام، لا يوجد قول ولا رأي يجيز بيع خصل الشعر للمرأة المسلمة إطلاقًا، وخاصة بهذه الطريقة بعرضها على الإنترنت.
فالله عزَّ وجلَّ كرَّم الإنسان ورفع من شأنه مُحرمًا عليه الاتجار بجسده بيعًا وشراءً لقوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم).”
وأما عن وصول المرأة لحالة اضطرارية دفعتها لتبيع شعرها، فيضيف الأستاذ (شفيق): “ممكن أن تبيع في حال الضرورة، لكن هذه فتوى لا تُعمَّم كحكم عام، وعليه كل امرأة تريد بيع شعرها لضرورة تخصها أن تذهب للمفتي في مكان إقامتها وتشرح له الضرورة التي دفعتها للأمر وهو يجيبها، فلكل حالة فتوى.“