غسان الجمعة |
تستمر الحكومة التركية بسحب نقاط مراقبتها الأربع (معر حطاط – شير مغار – الصرمان – مورك) في خطوة لاقت استنكارًا كبيرًا في الأوساط المعارضة، ولدى السوريين المهجرين من أرضهم الذين كانوا يعولون على العودة إلى منازلهم مع استعصاء النقاط بعمق تقدم النظام، وتصريح الرئاسة التركية مرارًا عن بقائها لضمان تنفيذ الاتفاقيات مع روسيا!
التكهنات والتحليلات الكثيرة جاءت مخوِّنة ومثبطة للدور التركي في إدلب خصوصًا، والسوري عمومًا بالمقارنة مع من رأى فيها حركة براغماتية عسكرية تشبه عودة السهم بوتره للخلف للاستعداد لانطلاقة جديدة، في إشارة إلى الاستعداد لمعركة حاسمة تعيد النظام على الأقل لخلف مواقع النقاط.
هذه التحليلات والاستنتاجات العاطفية هي غالبًا ما نحقن بها ذواتنا المخذولة للتأثير على مخاوفنا، وكبح جماح اليأس فينا ولتبرير الهزيمة في أدنى درجات المصالحة مع ذاتنا دون أن ننظر بعقلانية وجدية لمسار المفاوض التركي وأسلوبه في التعامل مع الورقة السورية.
في السنوات الأخيرة، ومن خلفية التشتت والتشرذم لطرفها الحليف في سورية، انتهجت الإدارة التركية سياسة العروض التي يعمل بها التجار مع البضاعة التي تقترب من نهاية صلاحيتها، نعم لقد تحولنا لعبء على حليفنا الذي لا ننكر دوره في مساعدة السوريين، لكننا ايضًا لا ننكر مصالحه القومية في خضم الصراع الدولي والإقليمي.
لقد قدَّمت تركيا تنازلات كبيرة من الأوراق السياسية في سورية، وكان لها دور رمادي في سيطرة النظام على الكثير من المناطق، وإن لم يظهر جليًا لحسابات سياسية وعسكرية أخذ بها أعداؤها المفترضون قبل حلفائها الصامتين من الفصائل السورية.
الجبهات التي فتحتها تركيا في ليبيا والقرن الإفريقي وأذربيجان وشرق المتوسط أسستها على قواعد شرعية، وبدأت فيها لعبتها من منطق التفاوض بالحديد والنار، على عكس الملف السوري الذي بات مقفلاً بوجهها وثقيلاً على كاهلها بشكل بدأت تسمح هي باستنزافه والتخلص من مشكلاته بطريقة التنازل عن مصالحها الأكثر تعقيدًا مقابل كسب جولات ومصالح في ساحات منافسة أخرى، وما حصل معها في سورية هو نفسه ما حصل في ليبيا مع روسيا، حيث تقف الأخيرة في مواجهة الشرعية مع الاحتفاظ بفارق التشبيه بين المعارضة السورية وحفتر.
على الحامل السياسي السوري أن يبدأ بالتفكير بطريقة مختلفة مع الإدارة التركية، بحيث تكون العلاقة علاقة شراكة مصالح، وليس علاقة تابع ومتبوع، حتى إن استوجب الأمر إعادة ترتيب الوضع العسكري للانتشار التركي مع الفصائل يجب أن يكون ليس سهلاً بالنسبة إلى تركيا، فالنقطة أو القاعدة في منطقة إدلب خصوصًا وباقي المناطق عمومًا يجب أن تكون واضحة المقاصد والأهداف ومعلنة لكل الأطراف.
في النهاية لا يمكننا أن نعول في أي منطقة بعد اليوم على الوجود التركي لعدم تمكن الأخير من الوفاء بالتزاماته تجاه المعارضة، أو لعدم فهمنا لمصالح السياسة التركية في الملف السوري، وإلا سنتحول لثورة خيام وبيادق يطاف بها في ساحات الصراع الإقليمية والدولية.