غسان الجمعة |
تستمر جولات التفاوض بين الجانب الإسرائيلي واللبناني بقيادة حزب الله وإدارة (نبيه بري) زعيم تيار (أمل) حليف حزب الله؛ لترسيم الحدود بواسطة أمريكية وأممية في بلدة (الناقورة) الحدودية.
هذه المفاوضات التي أعلن فيها الحزب قوة سطوته واختزاله للدولة اللبنانية علنًا يقابلها التنازل عن أسطوانة العداء مع إسرائيل والجلوس على طاولة التفاوض برعاية الشيطان الأكبر، في نسف واضح لكل شعارات الممانعة ومفاهيمها التي يرفعها الحزب وإيران في المنطقة.
النفط والغاز أمام السواحل المتاخمة لحدود لبنان والكيان الإسرائيلي ليس كل ما في القصة، فالتجاهل الواضح في حديث نصر الله المتلفز أمس لكل من إسرائيل وأمريكا ودور الحزب في عملية التفاوض يدل على أن الجولات ليست لاقتسام الثروة فقط، بل لاقتسام السيادة والسلطة وتوزيع الأدوار وعقد الصفقات، ولن يجد الطرفان حجة أمام الرأي العام المقاوم أفضل من مسألة الترسيم الحدودي للبدء في وضع الخطط الأولى لدور لبنان كدولة بيد حزب الله في صفقة القرن، وهو ما يهم أمريكا وتل أبيب بالمقام الأول.
ثم إن الحسابات التي دفعت الحزب للانخراط بخط ساخن مع إسرائيل وإصرارها على العلنية بالتفاوض من خلال (بري) رسالة واضحة للغرب للتأثير على وضع الحزب في المنظومة الداخلية اللبنانية من خلال استمرار الاعتماد عليه كسلطة تقود عسكريًا وماليًا الدولة اللبنانية.
فالتهديد الذي حمله (سعد الحريري) بمنع الحزب من استلام حقيبة الصحة ذات السيولة المالية الوافرة ومصب المساعدات الأممية بفيتو أمريكي، دفع بالحزب لأن يكون أكثر ليونة في مفاوضات (الناقورة)، حيث تضغط الإدارة الأمريكية في قناة وتكسب في قنوات.
ولا يؤلم اليوم حزب الله أكثر من كونه يتربع على العرش اللبناني بكل مقوماته إلى المالية، بل باتت معركته الأساسية هي مصرفية لإنقاذ حلفائه الذين يعدونه الرئة الحقيقية للتنفس اقتصاديًا وعلى وجه الخصوص نظام الأسد.
الأسباب والرسائل التي تعامل معها الحزب هي حلقة صغيرة في أخرى هي أوسع، وتشتمل على النظام السوري والإيراني كون حزب الله بيدقهما المدلل في المنطقة، والسماح له بالدخول في مفاوضات مع المحور الأمريكي هي بمنزلة فاتحة ودّ للرئيس الأمريكي القادم، فطهران لم تجدد عليها العقوبات وتقنن في مجلس الأمن، إلا أن الولايات المتحدة ماتزال مصرة على معاقبتها، والنظام السوري مُقبل على استحقاقات سياسية قد تشكل انعطافة خطيرة في مسار المسألة السورية، وكلا النظامين يسعى لتقديم أوراق اعتماده بشكل غير مباشر لسيد البيت الأبيض القادم من خلال تطويع حزب الله للرؤية الأمريكية.
السؤال الأهم هو هل يرسم حزب الله مع الإسرائيليين حدوده في الجنوب ليفتح لنفوذه في سورية أبعادًا بحدود أعمق من الحالية مع نظام الأسد وأقلها التخلص من الضربات الجوية التي تجري بين الفينة والأخرى؟
إن ما يحصل اليوم بين الممانعة وإسرائيل ليس إلا تطبيق للمثل الشعبي (أول الرقص حنجلة) وما يحصل بالناقورة هو حنجلة قريبًا ستطورها إيران إلى رقص.