منذ أن أطلق الرئيس الفرنسي تصريحاته حول (أزمة الإسلام)، والأحداث تتطور في فرنسا بشكل متصاعد لتلائم الخطاب الذي أطلقه (ماكرون) كأنها ضمن سيناريو تم إعداده بشكل مسبق.
طبعًا لا يحتاج الأمر لافتعال جرائم بشكل منظَّم، فخطاب الكراهية الذي يتباه رئيس الدولة!! سيغذي جميع النزعات العنصرية والمتطرفة في بلد مأزوم حقيقة بعدم تقبل الآخر، وهو البلد الذي يرفع لواء الحريات عاليًا بدون تقييد كما يروج الإعلام الفرنسي، لكن في الحقيقة هي حريات مفصّلة على قياس النخبة الفرنسية العلمانية المتطرفة، التي تتبنى محاربة الدين بشكل عام، وبشكل خاص الدين الإسلامي.
(ماكرون) ليس أحمق عندما أطلق تصريحاته العنصرية تلك، بل هو يدرك تمامًا ما يفعله، وهو لا يفعل ذلك لوحده، لكن ضمن منظومة متطرفة صارت ترى في انتشار الإسلام في فرنسا خطرًا على المجتمع الفرنسي، الذي يتوقع بعض باحثي الديموغرافيا أن يصبح ذا غالبية مسلمة مقابل أقليات من المسيحيين والملحدين.
(ماكرون) يحاول أن يعلن الحرب على الإسلام في كل خطاب يطلقه بعد كل حادثة عنصرية تقع في فرنسا، مع كامل التجاهل لسببها والتركيز فقط على ردّة فعل المسلم الذي يُوسَم بالإرهاب والتطرف، وأنه نتاج ثقافة (عنفيّة) بدلاً من التركيز على حقيقة أنه تصرف فردي مبني على انفعال وردة فعل مجنونة تجاه إساءة واعتداء من الآخرين، ردّة فعل لا تتجاوز الأزمة النفسية التي تحتاج علاجًا نفسيًا وتغييرًا في الخطاب الرسمي وليس حربًا وتحريضًا ومتابعة في الإساءة، ممَّا يشجع الحركات الراديكالية الأخرى على الاعتداء على المسلمين في فرنسا أينما وُجدوا، وقد يتسبب في حرب أهليه كبيرة ربما يريدها (ماكرون) ومن ورائه منظومته المتطرفة من أجل جعل فرنسا خالية من المسلمين.
هذه الحرب لا يُراد لها أن تقف عند حدود فرنسا، بل تعمل تيارات متعددة في أوربا على جعل فرنسا بؤرة الصراع الأوروبي بين المسلمين وغيرهم، ليمتد بعدها إلى جميع الدول الأوروبية من أجل التخلص من الانتشار الإسلامي في كل أوروبا، في محاولة لمحاكاة تجربة الثورة الفرنسية وما بعدها.
إن فهم الحرية على نحو متعلق بالمصالح الضيقة لبعض فئات المجتمع، وجعلها خالية من الإرادة الذاتية، ومحاولة تشويهها عندما تقيد بقوانيين تخص فئات دون غيرها، يؤدي إلى مجتمع طبقي، تنمو فيه النزعات العنصرية والتطرف، لتصل في النهاية إلى الخطاب الرسمي الذي يعلن الحرب على حريات الناس ومعتقداتهم، باسم طبقة السادة في مواجهة الطبقات الأخرى، وهذا ما تقوم به فرنسا منذ زمن طويل، فالحرب مُعلنة على الحرية التي لم تستطع فئة من الفرنسيين وغيرهم تقبُلها لجميع الناس على السواء.
المدير العام | أحمد وديع العبسي