حبر – أحمد وديع العبسي
– لا بدَّ في البداية لأي كاتب منصف أمام حدث كهذا أن يوجِّه تحية احترام كبيرة للشعب التركي العظيم، والذي أثبت أنَّه شعب استثنائي فهم الديمقراطية وقيمها على أنَّها مبادئ وليست مجرد وسائل يتم التلاعب بها كيفما شاء الحكام. لذلك استطاع هذا الشعب على الرغم من كلِّ الخلافات التي ترخي بثقلها على تياراته السياسية والحزبية والتي وصلت إلى تغيير شكل الهوية والانتماء داخل الأمة التركية، أن يتحرَّك كشعب واحد يفرِّق بوضوح بين انتماء للوطن والأمة والانتماءات الأخرى التي تسعى أصلاً إلى خدمة الأمة والوطن على اختلاف وجهات النظر.
– لست من أنصار الإطالة في المقالات، فالفكرة الواضحة يجب أن تكون سريعة العرض وسهلة المأخذ، وعلى ذلك لن أعيد الكثير من الكلام الذي تناقله السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي من تحليلات ودروس وعبر وفرح بزوال الغمة عن الجارة التركية التي كانت الحضن الوحيد تقريباً للشعب السوري، والتي ما زالت تعينه على استمراراه في نضاله من أجل استرداد حريته وكرامته ووطنه المسلوب من قبل العصابات ودول الاحتلال الجديد.
– أكثر ما أود التركيز عليه ثلاث قيم هي ما سأكرره من كلام واستنتاجات السوريين الكثيرة والصحيحة في مجملها:
- الانتماء للوطن، وليس للأشخاص أو الحركات أو الأحزاب، فكل هذه وسائل لا تعلو على الوطن أبداً، والأغلى هو الوطن وواجبُ حمايته هو واجب جميع أبنائه وليس فقط الجيش والشرطة والمؤسسات.
- الكلمة العليا للشعب، فهو صاحب القرار ومانح الشرعية، ولا يسمح لأحد أن يسلب الشعب هذا الحق مهما كان وفياً وقوياً، ومهما قدَّم من الدماء والتضحيات، الشعب هو الأداة الحقيقية للتنفيذ، وهو صاحب الشرعية في آن معاً، ويجب أن يدافع عن هذا الحق فكراً وقوةً.
- تكامل أدوات القوة والجاهزية لأي خطر من الجميع هو ما يعطي الأدوات فاعليتها وقوتها، وإلا فإنَّها مهما بلغت يمكن أن تسقط واحدة تلو الأخرى إذا لم تمتلك الجاهزية والتكامل.
– أخيراً … وهو موضوع هذه المقالة الأساسي، ما أثار دهشتي هو هذه الاستنتاجات الرائعة والكثيرة والصحيحة في مجملها للسوريين، لقد أحاطوا تقريباً بكل أسباب فشل الانقلاب، وبكل أسباب نجاح الشعب والقيادة التركية في تجاوز الأزمة، لقد أبدعوا بالقراءات المتنوعة والتي تصلح كدروس لعشرات السنين القادمة .. وأقول تقريباً حتى لا نقع في فخ ضلالات التعميم …
– بإمكانك أن تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، لتجد أنَّك أمام شعب ثري بأفكاره وإبداعه وحسن تدبيره وقراءته للواقع من حوله، ستجد حماساً يصلح للحروب وكياسة تصلح للسياسة، وعقلانية تصلح للفلسفة والتنظير، وأدوات كثيرة تصلح لتستخدم في ميادين تطبيقية في قابل الأيام.
– نعم هذا ما أبدعه السوريون في الأيام السابقة، ولكنَّهم ما زالوا يحتاجون إلى انقلاب يحرِّك هذه الأشياء من بين عيونهم إلى أيديهم، لكي يبدؤوا العمل حقيقةً على واقعهم نابذين كل الخلافات من أجل الأغلى والأسمى، من أجل وطن ما زال يرزح تحت حكم الانقلابيين منذ أربعين عاماً أو يزيد.