إبراهيم الكرمو
يقال في قانون المزارعين: إنَّ حبة التفاح عندما تنضج تُهدى إلى ملك، والتفاحة التي تقطف وهي عاجزة عن كونها تفاحة حقيقية لا تهدى ولا لطفل صغير، فلكل شيء إذا ما تم نقصان، معادلة أشكل فهمها على الكثيرين ممَّن يسكنون هذا الكوكب العجيب، وخصوصا في مجتمعاتنا الشرقية التي تزدهر فيه المشكلة وتكبر ويصبح لها أيدٍ وأرجل، وتصبح حكاية الحادي والبادي.
ممَّا اضطرني أن أشبه التفاحة الملكية بالمرأة العربية، التي يقضمها المجتمع بنظراته وأيديولوجياته المعقدة، والمسكوبة بقالب من العادات التي أكل الزمان عليها وشرب.
وقضية قطف التفاحة باكرا يعني بأنَّ التفاحة ليست بتفاحة لتكون صالحة للأكل، وكما المرأة إذا لم تبلغ مرحلة النضوج الفكري والجسدي ليست مؤهلة للزواج.
يعد الزواج المبكر من أعقد المشاكل الاجتماعية التي يعانيها المجتمع الشرقي في أيامنا الحالية، حيث تتضح لنا أسباب عدة تدفع بنا لمعرفة هذا السلوك الغريب الذي يقوم به المجتمع، ليخلف مشكلة أسبابها لا منطقية ولا تمت إلى العقل والقلب بصلة ومن أهمها:
الجهل المتفشي في المجتمعات الشرقية الذي ينطبع بصورة من العادات التي تزيد الجهل جهلاً أمقت، وتلك العادات كان محورها الأساسي العقليات المتخلفة والبعيدة عن اللامنطقية في تسيير أمور وشؤون الأنثى وخاصة القاصرة منهن، وكثيرا ما يكون الزواج المبكر بسبب الوضع المعيشي للأسرة التي يكون عدد أفرادها كبيراً، وغالبيتهم من البنات، ليلعب الفقر لعبته ويتحكم بمصيرهن فيحدد مسار حياتهن، فهذا الوضع المتردي للأسرة وكلام الأم والأب والأقرباء بأنَّ تلك القاصرة هي سبب العجز والفاقة، يجعلها مجبرة على اختيار هي لم تختره، قتلوها بهذا الاختيار ولكن بسكين من نوع آخر، دون أن يعلموا أنَّها ليست سبباً للعجز والفاقة كما يعتقدون، فالرزَّاق هو الله لقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) الإسراء(31)
كما وتلعب البيئة التي يعيشها المجتمع الشرقي دورها في ذلك، ممَّا تجعله بؤرة عدم إحساس وتخلف ورجعية، وكذلك تلعب دورا في تغيب دور المرأة في المجتمع، والتعدي على حقوقها كإنسان، واللعب بمصيرها، وتقرير رجل الأحلام غير المنتظر.
ولهذا الزواج غير الشرعي منطقياً عدة آثار على التفاحة القاصرة، ومنها عدم تهيئ الفتاة نفسيا لتقبل نفسها كامرأة ناضجة، ليكون لديها زوج ومسؤولية وحرمانها العاطفي من حنان الوالدين وفقدانها مرحلة العيش الطفولية التي إن مرت بسلام كبرت الطفلة لتصبح إنسانة سوية.
لذا فإنَّ عدم نضجها الفيزيولوجي عن مواكبة عملية الزواج، وحرمانها من الاستمتاع بهذا السن، والضغوط الواجب عليها الالتزام بها، تجبرها على ارتداء وهمي لهذه المرحلة في صورة أمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام والاكتئاب والقلق.
وفي لقاء حبر مع القابلة القانونية (أم ربيع) في هيئة شام الإنسانية، قالت: (إن لم تكن الفتاة جاهزة فيزيولوجياً ستعاني من مرض هشاشة العظام، وذلك نتيجة لنقص الكلس، إضافة إلى أمراض مصاحبة لحَمل صغيرات السن من أبرزها فقر الدم، والإجهاض المتكرر، وغالبا ما تزداد معدلات الإجهاض، والولادات المبكرة بهذا السن، ويكون لديهم ارتفاع حاد في ضغط الدم، مما يؤدي إلى فشل كلوي وحدوث تشنجات، فتزداد العمليات القيصرية نتيجة تعسر الولادات في الأعمار المبكرة وارتفاع نسبة الوفيات)
ممَّا يترتب على ذلك، وحسب ما يجب لكل داء دواء، ولكل عقدة حلَّال كما يقول المثل، الحل بائِن كوضوح الشمس ولا يختبئ خلف غربال، فالجهل سبب لكل علة، وهو العامل الرئيسي في كل مصيبة ونائبة وخلل اجتماعي، والقضاء على الجهل يكون بالعلم والعمل، وتوعية الأهالي والأسر في مجتمعاتنا الشرقية، عبر برامج اجتماعية تبث عبر الفضائيات، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي غزت أصغر جحور الأرض، ولا حل آخر إلا بالعلم، فبالعلم ترقى الأمم وتتقدم حضاريا وأخلاقيا واجتماعيا.