عبدالله درويش
كثر الجدال في الفترة الأخيرة_ وما يزال_ حول استيعاب الكفاءات القادمة من مناطق النظام، أو الذين انشقوا عنه من المناطق المحررة الذين لم يشتركوا بالحراك الثوري، وبين رفضها أمام تحدي حاجة المناطق المحررة لهذه الكفاءات.
فمن يرحب يحتجُّ بأنَّ التعليم بحاجة لهذه الكفاءات وهذا أمر منطقي أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
ومن يرفض يقول: “إنَّ التعليم عانى الكثير ولم يأتِ أولئك المعلمون إلا عندما أصبح التعليم مأجورا، فجاؤوا طمعا بالمال وليس لخدمة الجيل.”
ومن وضع الضوابط يقول: “طالما أنَّ المعلم القادم لم يكن ضد الثورة فلا بأس من قبوله، أمَّا إن كان ضد الثورة ويريد بثَّ سمومه بين التلاميذ فلا يمكن أن نقبله.”
وفي هذا التقرير سنتعرض لشريحة من المهتمين في التعليم من مختلف المستويات لنرى وجهة نظرهم فهم الأقرب وهم أصحاب المصلحة.
يقول الأستاذ وسام زرقة ماجستير في طرائق تدريس اللغة الإنكليزية، وهو من قام بهجرة عكسية فقدم من السعودية للتعليم في حلب يقول: “هناك حاجة للمعلمين أصحاب الكفاءة والخبرة وإنَّ المشكلة ليست في التعليم إنَّما في المناصب، فعندما يستلم صاحب الخبرة إدارة مدرسة أو ماشابه فيأتي من يثير هذا الجدل دفاعا عن منصبه.”
ويتابع….
“إنَّ من يعمل هنا في التعليم وليس لديه كفاءة كان يجب عليه أن يطور نفسه فقد أتيح المجال لذلك …ورغم ذلك هناك من تكاسل عن تطوير ذاته وإكمال دراسته.
فالمعركة إذا هي حول مناصب التعليم وليست حول التعليم، والثورية هي عنوان مضلل”
أمَّا في الطرف الآخر فتقول الآنسة نهال بيك وهي تحمل الشهادة الثانوية: “لماذا بقي أولئك المعلمون مع النظام حتى هذا الوقت، إنَّهم تأخروا كثيرا ولم يساهموا بتعليم أبنائنا ولم يأخذوا بأيديهم عندما كانوا بحاجة إليهم، فهم لايؤمنون بثورتنا وقد جاؤوا الآن طمعا بالأموال بعد أن أصبح التعليم مأجورا، بينما تقاعسوا عندما كان تطوعيا، لذلك لانقبل بهؤلاء.”
أمَّا الأستاذ أسعد عاصي وهو طالب رياضيات ومدير موارد بشرية في إحدى المؤسسات التعليمية يقول:
“الكفاءة هي المعيار الأول في اختيار المعلم، فالمعلم (الثوري) غير الكفء لايخدم التعليم، بينما المعلم الكفء ممَّن لم يشترك بالحراك الثوري والذي لم يناهض الثورة ولم (يشبح) فهو أولى بتدريس الطلاب.
والثورة قامت ضد نظام فاسد، فلا يجب أن نساهم في صنع نظام فاسد آخر، وهذا يخالف مبادئ الثورة.”
بينما تقول ازدهار ديب وهي طالبة أدب عربي وتعمل كداعمة نفسية:
“إنْ كان ذلك المعلم مؤمن بأهداف الثورة ولم يناهضها فأهلا به، وأمَّا إن كان غير ذلك فنرفضه؛ لأنَّه سيببث سمومه في عقول طلابنا.”
وقد أجريت مقابلات مع عدد من الطلاب وأولياء الأمور، ومنهم العم أبو راشد وهو والدٌ لطالب في الصف الثالث الذي قال: “إنني أحب أن يعلّم طفلي صاحب خبرة حقيقية، فأنا أفضل المعلم صاحب الكفاءة؛ لأنَّه أقدر على إيصال المعلومة إلى أبنائي.”
وبعد هذه الجولة مع آراء شريحة من المعلمين والطلاب وأولياء الأمور، نجد أنَّ الغالب هو الذي يميل إلى ذوي الكفاءة على ألا يكون ضد الثورة، وهذا مايساهم في تطوير التعليم والاستفادة من خبرات أولئك المعلمين وبناء الجيل ثمَّ بناء الدولة والابتعاد عن الإقصاء؛ لأنَّه يخدم المصلحة الشخصية للبعض ولايصب في الخير العام.
وإذا رجعنا إلى سيرة النبي الكريم لوجدنا أنَّه لم يرفض من أسلم بعد الفتح بل هناك من ولاهم المناصب الحساسة بناء على كفاءتهم رغم أنَّ من سبق للإسلام وصدق بإسلامه كان له مكانا أقرب، وهذا إنَّما كان للحساب الأخروي ولم تكن الوظائف بناء على من سبق للإسلام.
وقد انتهج نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا مبدأ (الدولة تجب ماقبلها) وبذلك نجح في تطوير دولته.
فالثورة أسمى من أن تنحصر في مصالح شخصية أو مكتسبات مادية، وإنَّه على من عمل لكي يحافظ على مكانه أن يطور من نفسه، فالمجال بات متاحا بعد إنشاء المعاهد والجامعات في المناطق المحررة.
وفي النهاية فإنَّ صاحب المصلحة الأولى في التعليم هو (الطالب) لذلك علينا أن نختار مايناسبه ويصب في مصلحته بعيدا عن سجال المصالح أو إبداء الرؤى الخاصة هنا أو هناك.