كتبت مرةً في إحدى تعليقاتي: إنَّ التجار هم أدرى الناس بإدارة الحصار، فتعاونوا معهم ولا تتعاونوا عليهم، ووعدت بالتوضيح، فاستنكر بعض الناس ما كتبت وهناك من انتظر التوضيح، وأظن أنَّ الكثيرين فهموا ما أردته من ذلك التعليق.
لا أريد من العنوان أن أشرعن الاحتكار، فهو مرفوض جملةً وتفصيلاً، ولكن يمكن الاستفادة من بعض آلياته في مواجهة الحصار عن طريق التعاون بين التجار والقائمين على العمل المدني بما يضمن مصلحة الجميع، ويعطي التجار فرصة في تحمّل مسؤولياتهم تجاه مجتمعهم، وذلك بإدارة رشيدة لتدفق المواد الغذائية تضمن عدم فقدانها، وتضمن أرباحهم ومصالحهم في الوقت نفسه، وقدرتهم على الاستمرار بإدخال المواد الغذائية بطرقهم الخاصة ومن خلال تعاونهم مع الجهات المدنية والعسكرية .
الأمر باختصار هو أن كسر الاحتكار بالطرق التقليدية، وباستخدام القوة سيؤدي إلى العديد من المشكلات سأسردها تباعاً وهي:
- فقدان المواد الأساسية المخزنة بشكل أسرع من السوق بسبب اتاحتها للجميع بالسعر المعقول؛ مما يؤدي إلى استهلاكها بسرعة دون أخذ طول الحصار بالحسبان؛ مما يؤدي إلى جوع الناس في وقت أقصر نسبياً.
- عدم تشجع التجار على المخاطرة من أجل ادخال المواد إلى المدينة؛ لأنَّ ذلك لن يكون مربحاً بشكل يتناسب مع حجم الخطورة الكبيرة التي ستتعرض له سيارات البضائع والتي يمن أن تُدمر، مما سيوقف العمل التجاري وبالتالي سيوقف تدفق المواد الغذائية إلى المدينة بشكل كبير.
- فقدان النقد من المدينة، لأنَّ توقف التجارة سيؤدي إلى إخراج النقود من أجل العمل بها خارجاً بدل من تجميدها.
- البحث عن الخلاص الفردي وإخلاء المدينة بالكامل.
- سيطرة الجهات العسكرية على المواد الموجودة بحجة كسر الاحتكار؛ مما يؤدي إلى غلاء مضاعف للكميات القليلة الموجودة والاقتتال عليها.
- هروب التجار من المدينة خوفاً من السرقة أو الاعتقال، وتحالف من بقي منهم مع العسكريين لحماية تجارتهم، مما يؤدي لغلاء مضاعف بسبب أجور الحماية .
- انتشار سوق سوداء للأغذية وبيعها بكميات كبيرة لمن يمتلك المال لمنع مصادرتها أو كسر احتكارها، مما يجعلها تتكدس فقط في بيوت الأغنياء والتي لا يمكن فتحها باعتبارها مستودعات.
بينما يؤدي التعاون السابق إلى التقنين في استخدام المواد بسبب غلائها، وإمكانية عمل المنظمات الخيرية في مساعدة المعدومين بسبب توفر المواد، وشجاعة التجار في استجلاب المواد بشكل مستمر بسبب الأرباح المرضية، والصمود أكبر مدة ممكنة بحال صحية وغذائية جيدة وليست معدومة كلياً، مما يجعل الجوع بعيداً عن المدينة بشكل كامل، وغير ذلك من الإيجابيات التي يمكن لحظها.
أخيراً … ليست هذه المقالة تشجيع على الاحتكار وإنَّما تشجيع على التعاون وعدم التصادم مع التجار، على أن يتقي التاجر الله في الناس فلا إفراط ولا تفريط، والتضامن والصبر بين الناس هو وحده الكفيل على جعل الحصار بلا فائدة للأعداء، وليذكر الناس بأنَّهم محاصرون فمن غير الممكن أن تكون لحياة كما يشتهون … ستكون ناقصة جداً، ولكن لنعمل على ألا تكون معدومة.
المدير العام / أحمد وديع العبسي