لن يطول الأمر كثيرًا قبل أن تبدأ المعركة المقبلة مع ميلشيات النظام والروس والإيرانيين، فلا يبدو أن التفاهمات ستصمد طويلاً، وعلى المعارضة أن تدرك أنها تحتاج جهدًا كبيرًا وتنسيقًا عاليًا بين مختلف مكوناتها العسكرية والسياسية والاجتماعية من أجل أن تستطيع تحقيق معادلة الصمود، أو على الأقل تحصيل بعض نقاط القوة التي ستستفيد منها فيما بعد من أجل حماية المناطق المتبقية تحت سيطرتها.
وبيع مصطلحات الشهادة والبطولة والمقاومة والمجد دون هذا التنسيق والتخطيط الجيد للمعركة ولما بعدها، سيجعلنا نبدو كالشعراء في ميادين الدماء، لا نقدر إلا على بكاء المدن ورثاء الأبطال، ثم نرحل بعيدًا لنحكي الخيبة لمن بعدنا، أو لنخلِّد البطولات الخاوية من أي نصر، سوى من وهم التضحية وغثاء الموت، ودعوات الثأر الكبير يومًا ما!!
لا أحد يدَّعي أنه سيستطيع مواجهة دولتين مع الكثير من المرتزقة وهو يقود المعارك اليوم كغزوات العرب أيام الجاهلية، نفير وموت أو غنائم، ما هكذا تورد ساحات الوغى ولا بهذه الطريقة تسترد الكرامة ويُحقق النصر.
نحتاج أن نفكر بالممكن، بالمستطاع قياسًا إلى ما نمتلكه من قوة، وألَّا نرمي أنفسنا رخيصة للموت، نحتاج أن ننسى قليلاً ما نخسره، لنفكر بما يمكن أن نكسبه، كما أننا نحتاج أن نرى أنفسنا كقوة واحدة، وليس كأمراء حرب في دويلات ضعيفة، لا تحرك ساكنًا إلا بأمر داعميها، ونحتاج أن نعرف حلفاءنا، وندرك مصالحهم، ونجد لأنفسنا مكانًا مهمًا في هذه المصالح، لكي نصبح شركاء، ولا نبقى تابعين، ولكي نكون جزءًا من هذه المصالح، لا جزءًا من الصفقات التي تعقد من أجلها.
في الحقيقة نحتاج أن نغير طريقة تفكيرنا بالخرائط من حولنا بشكل كامل ، فلا يصلح هذا الأمر بما صلح به أوله، تلك مقولة خاطئة، لقد تغير كل شيء منذ عشر سنوات إلى الآن، وتلك الأساليب التي منحتنا القوة يومها غير قادرة على أن تمنحنا نفس القوة مجددًا؛ لأن الظروف ما عادت كما هي، لا الحلفاء ولا الأوضاع الإقليمية والدولية تشبه ما كانت عليه، ولا نحن أبناء هذه البلاد ومن أطلق هذه الثورة نشبه ما كنّا عليه، لذلك علينا أن نعيد ترتيب أنفسنا لاستحقاقات قادمة قد لا تكون نصرًا، وربما لا تكون هزيمة، ربما يجب أن نرضى بالقليل جدًا لكي نحقق تقدمًا نستطيع أن نبدأ منه مرة أخرى، بدل من أن نعود لنقطة الانطلاق إذا لم نغير طريقة التفكير في خوض المعركة القامة وأصرينا على أن تكون إمّا نصراً كاملاً أو هزيمة كاملة.
المدير العام | أحمد وديع العبسي