ستكون هذه المقالة لي هي الأخيرة في الحديث عن المعركة المرتقبة حول الطريق الدولي M4، وآمل ألَّا تحدث تلك المعركة، وأن يصل الروس والأتراك لأي حلّ يوفر الاستقرار في الوقت الحالي، ويتم به تبادل المصالح دون المزيد من الدماء والدمار والتهجير.
ولكن في الختام لابدّ من بعض الكلمات التي يجب أن يقرأها الناس والمحاربون على حدٍ سواء، والتي أضعها هنا كوني أحد أولئك الذين تجرعوا مرارة الخسارة منذ أربع سنوات في مدينة قريبة، وبعد حروب طاحنة ونصر مزيف لم يستمر طويلاً رغم أن نشوة سكرنا به ماتزال تلاحقنا إلى اليوم، لقد اقترب وهمنا يومها من تحرير المدينة الأغلى في الشمال، لو لم نصحو فجأة على ركام خيبتنا الكبيرة، التي حملناها معنا حيث خرجنا لنحكي قصصًا للحياة، لا لليأس.
المعركة اليوم لا تُدار عبر الجبهات، هذا شيء يجب أن يعرفه الجميع، وقد قيل لنا يومها ذلك، لكننا لم نصدق، واعتقدنا أن بإمكان البنادق أن تخرق ما تمّ الاتفاق عليه بين دول النفوذ والخونة الذين كانوا بيننا، والدول نفسها لم تتغير، والخونة هم نفسهم، فلا تتوقعوا أن تتحدث المعجزة، ولا ترموا بأنفسكم إلى الموت من أجل ترانيم البطولة وآهاتها.
الأمر الآخر، إن حدثت المعركة فلا تنتظروا أن تُهدم المدينة فوق رؤوسكم، بل اخرجوا سريعًا، وانتظروا النصر بعيدًا، فقد التهب الثأر بما يكفي ولسنا بحاجة المزيد من المجازر المريعة لكي ندافع عمّا تبقى.
أخرجوا ما استطعتم من الأثاث والأمتعة والمال، فالحياة خارج الديار لا ترحم، ولن تجدوا الكثيرين في انتظاركم، وحاولوا أن تجهزوا مكان النزوح قدر الإمكان قبل المعركة فالفاقة كبيرة، ولم يعد بالإمكان إيواء الجميع بشكل مباشر.
إن الانسحاب لا يعدّ هزيمة إلا للخونة الذين لا يريدون متابعة القتال، ولكن الصمود دون مقومات هو انتحار البلهاء وليس مقاومة الأبطال.
إذا وقف معنا الحلفاء في المعركة علينا أن نخوضها على قدر المصالح، لا على قدر الجنون، وأن نعرف ما تمّ الاتفاق عليه كي لا نضيّع الكثير من الأرواح من أجل رسم صورة جيدة لمشهد الخسارة، لا عبرة بالمشاهد، العبرة بالنتيجة.
أخيرًا .. إن كتم المعلومات عن الناس هو قتلٌ لهم، وإن الانسحاب بشكل فردي هو إخلاء للثغور، لذلك يجب أن يعمل الجميع بتنسيق منسجم من أجل إدارة المعركة القادمة كمرحلة وليس كغزوة صغيرة فيها خاسر ورابح فقط، إنما هي مرحلة كاملة تتصل بما قبلها وبما بعدها ويشارك فيها المدني والعسكري على السواء.
وآخر القول السلام… والأمل بالله السلام
المدير العام | أحمد وديع العبسي