لا شكَّ أنَّ ساعات الانقلاب التركي الفاشل على أردوغان كانت من أصعب وأثقل الساعات على السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد رغم أحداثها المتسارعة، ونكاد نجزم أنَّه لا يوجد مواطن سوري إلا تابع تطورات المشهد التركي بأنفاس لاهثة، وبصر شاخص، وقلب مرتجف، إلى أن انجلى غبار المعمعة عن انتصار مدوٍ لأردوغان بعد أن اصطف معه غالبية الشعب التركي، مسطرا مشهدا رائعا من التلاحم الاجتماعي والجماهيري.
لكن بغض النظر عمَّا حصل وكيف حصل ومن وراءه، دعونا ننظر إلى الأمور من زاوية ثانية علنا نستفيد من الأحداث التركية، لنعيد صياغة الواقع السوري.
ماذا لو كان أردوغان كمرسي؟
مرسي لم يحفظ درس الجزائر وعدنان مندريس وباكستان وغيرها من التجارب، اعتمد على شرعيته الانتخابية، وأصوات من رشحوه، ولم يملك أنيابا كأردوغان الذي فهم قواعد اللعبة، فعمل على السيطرة على المخابرات والشرطة، وطوع جزءا جيدا من الجيش التركي، ومن بقي ضده من الجيش أجهز عليه بالانقلاب الفاشل.
فكلُّ شرعية لا تملك جيشا وشرطة ومخابراتا مصيرها كمرسي، وكل شرعية لها جيش وشرطة ومخابرات مصيرها كأردوغان.
ماذا لو كان الشعب التركي كالشعب المصري؟
لا شكَّ أنَّ الفارق الثقافي والحضاري بين الشعبين المصري والتركي بدا جليا فيما حدث، فالشعب التركي الذي عاش الحرية لمدة ١٥ عاما تحولت الحرية عنده إلى قيمة عليا يضحي لأجلها بالغالي والنفيس، وتكرار تجارب حكم العسكر
الفاشلة والقمعية من تشيلي إلى الهند جعل الشعب التركي متحدا في وجه أي محاولة لإعادة أيام تركيا السوداء، بينما الشعب المصري الذي قضى معظم حياته تحت القمع والذل كحال باقي الشعوب العربية، أصبح لا يتوقع الخير إلا ممَّن يسومه سوء العذاب، وتفكيره لا يمكنه من تصور أن يحكمه أفضل من السيسي ومبارك.
فلو كان الشعب التركي كالمصري، لرأيناه يرقص على أنغام أغنية تسلم الأيادي التركية.
ماذا لو كان رجال الدين في تركيا كرجال الدين في مصر وسورية؟
لا شكَّ أنَّ رجال الدين الأتراك وطلبة العلم الشرعي كان لهم الدور الأكبر في استثارة عاطفة الناس وحشدها ضد الانقلاب، ولو كانوا كأمثالهم في دولنا العربية كسورية ومصر، لرأيناهم اصطفوا طوابير لتقبيل أحذية الانقلابيين، ولصدرت الفتاوى تقدِّس وتمجد الانقلاب وترفع جنرالاته لرتبة الأنبياء المعصومين.
ماذا لو كان الجيش التركي جيشا عربيا؟
من المشاهد التي تثير القشعريرة في النفس، طريقة تعامل الانقلابيين مع المواطنين الأتراك الرافضين للانقلاب، فالصور المنقولة تثبت أنَّ أغلب الانقلابيين مازالوا يملكون بقايا إنسانية ووطنية ودينية، منعتهم من ارتكاب المجازر بأبناء وطنهم، بعكس ما فعلته الجيوش العربية كالجيشين المصري والسوري على سبيل المثال.
والآن السؤال الأهم:
ماذا لو نجح الانقلاب؟
لا شكَّ أنَّ نجاح الانقلاب التركي على أردوغان هو السكين الأقطع في قلب الثورة السورية؛ لأننا بنينا كل خططنا واستراتيجياتنا على وجود أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ولم نبنها على أسس ودعائم ذاتية تعتقها من التبعية الخارجية سواء كانت إيجابية أو سلبية، وكمثال على ذلك حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، ففي ظل وجود مرسي في الحكم، لم تتوقف حماس لحظة واحدة عن بناء أنفاقها أو تطوير قدراتها، لم تقل مرسي موجود فلماذا أتعب نفسي؟!
على العكس من ذلك، قامت بتكثيف حفر الأنفاق، وتخزين الأسلحة والذخائر تحسبا ليوم الانقلاب الأسود، فرأت بعيني بصيرتها ما لم يره إخوان مصر بعيون رؤوسهم.
لا شكَّ أنَّ تركيا في ظلِّ حكومة حزب العدالة والتنمية نهضت نهضة تدرَّس كنموذج يحتذى بين الدول، لا شكَّ أنَّ تركيا كانت الرئة الأساسية والوحيدة للثورة السورية، لكن من الخطأ بناء استراتيجية الثورة على ما نظنه ثابت وهو حقيقة أكبر متغير، فعالم السياسة هو عالم المتغيرات المستمرة، فعدو الأمس صديق اليوم، وصديق اليوم عدو الغد.
بقلم: جاد الحق