عبد الله درويش
بسحنته السمراء، ووجهه الملوث بالزيوت والشحوم، وثيابه الرثة، جلس محمد البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة على الأرض منهكا وهو يأكل وجبته البسيطة، وما إن انتهى حتى صرخ به صاحب الورشة: هيا انهض فلدينا الكثير لفعله، غصَّ الطفل باللقمة الأخيرة ولم يجد بدًّا من الامتثال للأمر وإلا فسيطرد من العمل.
هذه الصورة _وهي متكررة في الحقيقة_ دفعتني للكتابة حول عمل الأطفال، وخاصة في ظل الثورة السورية، فقد ظهرت بشكل واضح ظاهرة عمالة الأطفال الذين هم في سن الدراسة، وهذه الظاهرة لها أسباب متعددة علينا التعرف عليها؛ حتى نعالجها قبل أن يفوت الأوان ونخسر جيلا كاملا، فهي ذات آثار غير إيجابية على الطفل والمجتمع …
وللوقوف على أسباب هذه المشكلة التقيت شرائح من المجتمع من ذوي المصلحة في هذا المجال …
محمد نور (طالب إرشاد نفسي ويعمل داعما نفسيا) يقول:
“إنَّ عمالة الأطفال هي كل عمل لا يكون مقبولا للطفل أو ينخرط فيه؛ لأنَّه لا يتناسب مع عمره ويتعارض مع وجوده في المدرسة ومع حقه في التعليم …
ولأنَّ هذا العمل يكون مؤذيا للطفل على المستوى العاطفي والنفسي والتنموي والجسدي.
وأثناء العمل قد يتعرض الطفل إلى أشكال من الإجهاد والعنف النفسي والجسدي تحت شعار مصلحة الطفل.
عبد الله العلي (يعمل في مجال الحماية التعليمية) يقول:
“إنَّ من أسباب عمالة الأطفال في ظل الثورة السورية هي:
1-فقدان المعيل كالأب، بوفاة أو اعتقال.
2-النزوح.
3-الإعاقة للمعيل.
4-فقدان الأب لعمله الأساسي.
5-الفقر نتيجة تعطل الكثير من الأعمال نتيجة القصف على المناطق المحررة وانعدام الأمن وتدمير المعامل والمحلات التجارية.
ويختلف العمل الذي يقوم به الأطفال، فمنهم من يعمل كبائع متجول أو في ورش الخياطة، وقد يعمل عملا مجهدا في البناء وغيره، وقد يلجأ البعض إلى التسول …
وفي أحيان كثيرة ينخرطون في الأعمال العسكرية وخاصة عندما تكون الأجور مغرية كما لدى تنظيم الدولة.
أمَّا الطالب محمد الحمد الذي ترك مدرسته وانتقل مع أمه إلى تركيا للعمل هناك بعد وفاة ابيه فيقول:
لم أعد أستطيع الموافقة بين الدراسة والعمل وأسرتي بحاجة إلى المال، وأنا الكبير في العائلة، وأصبح لدي مسؤولية تجاه أسرتي وأخوتي.
وعندما سألنا أبو يزن صاحب ورشة خياطة لماذا ترغب في عمل الأطفال قال:
1-الطفل يقبل الأجر القليل.
2-يسمع الكلمة ولا يجادل.
وبعد هذه الجولة من آراء وأقوال شرائح من المجتمع، نعود لنرى ماهي الآثار الناتجة عن عمالة الأطفال.
الآثار لهذه الظاهرة سلبية وخطيرة على الطفل وعلى المجتمع، فبالنسبة إلى الطفل نجد أنَّ:
1-تعرض الطفل أثناء العمل للإهانة والعنف.
2-قد يتأثر جسديا عندما يكون عمله شاقا.
3-الاستغلال الجنسي في بعض الحالات.
4-انحراف الطفل عند توفر المال لديه.
5-الانفصام في الشخصية بين شخصيته كطفل وبين شخصيته كمسؤول عن العائلة.
أمَّا بالنسبة إلى المجتمع:
1-انتشار ظاهرة لجهل، والتي تنذر بجيل جاهل.
2-انتشار ظاهرة زواج القاصرات وحصول المشاكل الأسرية لعدم نضوج الفتاة وقدرتها على إعالة الأسرة.
3-انتشار الجريمة نتيجة خروج الطفل من البيت وتوجهه للعسكرية وحمله السلاح.
وحسب إحصائيات مجلس مدينة حلب في العام 2015 فإنَّ عدد السكان في المدينة 415000 نسمة، وعدد الأطفال الذين هم في سن الدراسة 130000 طفلا
وفي إحصائية مديرية التربية أيضا عام 2015 فإنَّ عدد الأطفال في المدارس لا يتجاوز الـ 33000 طالبا.
وعدد الأطفال الذين يعملون والمنخرطين في العسكرة 50000 حسب مجلس المدينة والتربية.
والباقي من الـ 130000 طفل ضمن البيوت إمَّا تعليم حر أو في المساجد أو متسربين، وخاصة البنات نتيجة الوضع الأمني.
وفي إحصائية قام بها مجموعة نشطاء من معلمين وإعلاميين أكدت تلك الأرقام، كما تبين أنَّه كلما تقدمنا في المراحل الدراسية للأعلى تكون نسبة التسرب أكثر، فمن أصل 33000 طالب لدينا فقط 1200 طالبا ثانويا.
وعدد طلاب الشهادة الثانوية 2015 هو 470 حسب مديرية التربية، أي نسبة الذين وصلوا إلى الشهادة الإعدادية 1\30 بينما نسبة الذين وصلوا إلى البكالوريا 1\66 !!
وهذه الإحصائيات تثير الرعب في نفس كل من يريد بالمجتمع خيرا، فنحن أمام كارثة كبيرة متمثلة بجيل من الجهال.
إنَّ كل الأطراف تحاول استقطاب الجيل، وهذا الجيل بات فاقدا لهويته كطفل لذلك على كل شرائح المجتمع وخاصة من لديه صفة قيادية في التعليم أو غيره، أن يهتموا بهذا الطفل ويحافظوا على الطفولة نقية عفيفة …
إنَّ الفقر وقلة الاهتمام نتيجة الاختلاف في البنية الأسرية من فقد ونزوح وغير ذلك، واستغلال بعض أصحاب العمل لأولئك الأطفال وإرهاقهم بالعمل لمعرفتهم بحاجة الطفل للعمل، دفعت الكثير من الأطفال لترك تعليمهم وتحمل مسؤولية الأسرة، وهذا ينذر بخطر على الطفل نفسيا واجتماعيا وعلميا، وعلى المجتمع الذي قد يجد نفسه في وسط بحر متلاطم من الجهل والانحدار.