بقلم سعود اﻷحمد
لقد منح الله اﻹنسان حريته، وأعطاه حقوقا تتناسب وفطرته التي فطره عليها والمهمة التي من أجلها خلق والغاية الرئيسة من وجوده، وقد حث اﻹسلام على حماية هذه الحقوق والدفاع عنها، وحفظها من قبل الفرد والمجتمع، ﻷنها من قواعد قيام المجتمع البشري السوي، ورعايتها من الواجبات الشرعية.
هذه الحقوق واضحة جلية لا يمكن تجاهلها، صريحة في آيات كتاب الله وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي النماذج العملية الخالدة في حياة الصحابة والتابعين والسلف الصالح، ولذلك يمكن القول: إنَّ اﻹسلام دين أقر مبدأ حقوق الإنسان ونادى بتطبيقها على المستويات العملية، تكريما منه لخليفة الله في أرضه.
ومن هذه الحقوق حق الحياة للجميع، والحياة نعمة موهوبة لجميع الكائنات، لا يملك أحد أن يعتدي عليها بالقتل بغير حق، أو بالاعتداء عليها بالضرب أو اﻹهانة أو التعذيب واﻹرهاب، فحماية هذا الحق المقدس أكده الدين وحذر من عاقبة التعدي عليه أو الاستهتار به، ذلك أنَّ الحياة الكريمة للإنسان مرتبطة بالتكاليف التي أخذها على عاتقه، ثم بكونها ممر اختباره فيها.
ويدل على قداسة هذا الحق ومكانته بين سائر الحقوق اﻷخرى ما قرر الله سبحانه وتعالى لمن يعذب حيوانا من الحيوانات ويزهق روحه ظلما وعدوانا، إذ عد ذلك الفعل غير اﻹنساني الشنيع جريمة يستحق عليها دخول النار، فقد روى البخاري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: “دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش اﻷرض” وهذا الجزاء كان بسبب هرة، فكيف يكون في من يعذب إنسانا تعذيبا لا يتخيله آدمي ثم يقتله بدم بارد، أو يعتدي على حرماته وعرضه كما تفعل أنظمة الطغيان في كل مكان وزمان؟! لا شك أنَّ عقابه سيكون مضاعفا أضعافا كثيرة.
إنَّ من يعتدي على هذا الحق المقدس لا يكون مؤمنا، ولذلك كان له وعيد يهز النفوس ويفزع القلوب وتقشعر له الجلود، فهل ثمَّ أقسى من الخلود في جهنم وغضب الله والطرد من رحمته والعذاب العظيم؟
” ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما”.
ولا يفرق اﻹسلام وهو يقرر هذا الحق بين إنسان وآخر، فالجميع سواء في حرمة الدماء وصون النفس البشرية، ولذلك فإنَّ الاعتداء على المسالمين من غير المسلمين الذين أخذوا العهد يعد جريمة كبيرة وذنبا عظيما، لما رواه البخاري عن عمر بن العاص أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة”.
وجعل اﻹسلام جزاء من يزهق نفسا واحدة القصاص، تحقيقا لسلامة جميع الناس وتحصينا لحق الحياة، وحقنا للدماء، فمن عرف أنَّه مقتول إن قتل لا يكاد يصدر منه الفعل، ولما كان هذا الحكم لمن يتفكر في حقيقة الوجود اﻹنساني وطبيعة عمله على هذه اﻷرض، ولمن يدرك جيدا قدسية الحياة، كان ذلك الخطاب ﻷصحاب العقول السليمة، فخصهم الله بخطابه دون غيرهم “ولكم في القصاص حياة يا أولي اﻷلباب”.
من هنا كان على كل فرد أن يعمل عقله وفكره ويحفظ هذا الحق وسائر الحقوق اﻷخرى التي تميز بها صار اﻹنسان إنسانا