بقلم جمال صطوف
إن ذهبت إليها، ضع عنك الأشعار التي تحفظها، والقصص التي تعرفها، والروايات التي لن تفتحها، وابدأ بالقراءة فيها، فهي أول الأحرف، وآخر الجمل، وأصدق المعاني، اترك خوفك منها وحزنك عليها حيث أنت، وابدأ برحلة تقودها الخرافة ومنارتها السحر، إنها الشهباء حلب« درب حلب ومشيته كلو شهداء »اسلك طريق الشهداء أو كما يسمونه (( طريق الكاستيلو )) الذي أضحى أشهرَ من جادة الشانزيليزيه على صفحات الأخبار، انتبه وأنت تعبره، من هنا عبر كثرٌ إلى السماء، فتحوا الطريق مراتٍ ومرات، عبّدوه بالدماء، واليوم وأنت تعبره ألقِ عليهم تحية السلام.. إن كنت وحدك في الطريق، لا تخف… من بعيد قد يأتي وحيدٌ عابرٌ مثلك على هذا الطريق، قد تدخل الشهباء أو قد يقودك إلى السماء، على هذا الطريق يمر نهر الحياة لأكثر من 400 ألف إنسان عاشق لحلب بأسوء فترتها.الآن احبس دمعك لا نفَسك، ستدخلها بعد قليل، وراء البراميل والمتاريس والدواليب والمتاريس، حاجز عناصره شباب بعمر الورد وما زالوا صغارا على حمل السلاح، ولو سألت أحدهم: هل أنت راضٍ عن حمل السلاح؟ سيقول لولا فرض النظام علينا حمل السلاح للدفاع عن ثورتنا لكنت الآن أكمل دراستي الثانوية، سيقول لك الشاب نفسه تحرك بسرعة، هناك طيارة في الجو ستلقي البراميل في هذه المنطقة؛ لأنه في دوار الحلوانية ودوار بعدين ارتقى الكثير من الشهداء …ستدخلها الآن، وستدهشك أرصفة الطرقات والأبنية التي كانت شاهقة فانحنت بفعل الدكتاتور وطائراته والتي لم تدمر بالكامل، ستجرحك نوافذها المكسورة، لا تستهلك كل الدهشة وكل الحزن لأنك قد ترى في هذا الحي المهجور رجلا طاعنا في السن يجلس أمام بيته ويبكيه بصمت، تابع في حي الصاخور والشعار ولا تسأل عمّا حلّ بجسرها الكبير، ستعيش حالة من الرعب حينما تصدح صافرات الإنذار بغارة جوية، ستموت عشرات المرات بلحظة واحدة، بعدها سيأتي رجال القبعات البيضاء سيساعدون الناس الذين علقوا تحت الأنقاض، اقصدِالمدينة القديمة أو كما يحلو لأهالي حلب تسميتها بحلب القديمة التي تتألف من عدة أحياء، ستصل أولى المناطق وتسمى حي المشاطية، برغم سنوات الحرب ستجد السحر في هذا الحي، ستقودك فيه الأزقة الضيقة إلى ذلك السحر والجمال، لا تستغرب أن وجدت مسجداً قد تحول إلى مدرسة، فهذا هو دور المسجد، و لا تصدق من يقول: إنَّ المسيحين يحاربهم الثوار، كذِّبه واذهب معه إلى دير ((مارالياس)) ستجد المسيحيين كبار السن يقوم على خدمتهم مجموعة من المسلمين، و بعضهم لا يأكل إلا من يد أحد المتطوعين في الدير، ستجد أيضا دارا لرعاية كبار السن، بعد ذلك استعجل قبل أن يحلّ الظلام، وإن قال لك سائق التاكسي النادر وجوده في الشارع بساعة متأخرة من المساء: إنّ أهل مدينته باتوا يعيشون في سجنٍ كبير، في الليل يسارعون إلى المهاجع، وفي النهار ينزلون إلى الباحة الكبيرة المطوّقة بالنظام و طائرات الاحتلال الروسي ، صدّقه.. وإن أضاف أنّ شرفة بيته خط تماس، لا تستغرب… إن انتصف اليل فلا تغادر، ستطفأ المولدات وتغرق البيوت في الظلام وستغدو المدينة بلا أضواء…
انتظرها حتى الصباح ستوقظك أصوات الرصاص القريب، احزم حقيبتك واستعد للسفر، وأنت تغادرها أخفض رأسك للمدينة وقلعتها، سلّم على أهلها، ابتسم في وجههم، وتَمنَّ لهم الحياة، لا تحتفظ بصور الموت عن تلك المدينة، احتفظ بما تبّقى لها من روح، هي مدينة تستحق الحبّ والحياة، ستودع المدينة بضحكة أحد الأطفال في الشوارع وهو يبيع البسكويت رافضاً الموات والركوع، وأخيرا عد إلى طريق الشهداء أو الكاستيلو …