بقلم سعود الأحمد
يلعب التربويون دورا أساسيا في عملية تطوير طرق التربية وتجديد أساليبها؛ لتناسب مستجدات الحياة السريعة وتغيراتها التي باتت أسرع من أي وقت مضى، ويركزون على اﻷطفال باعتبارهم صانعي المستقبل ومالئي الجانب اﻷكبر من حياتنا، فيسعون إلى حماية الطفولة من كل ما يمكن أن يحرفها عن مسار فطرتها أو يعكر صفوها؛ ﻷنَّ القيام بالواجب تجاه اﻷطفال وإرساء قواعد التربية السليمة هي أساس صلاح الأسرة والمجتمع والعالم.
لا شكَّ أنَّ كلَّ أب أو أم-وقد أكون أو تكون واحدا منهم-سيدعي أنَّه بذل جهدا كبيرا وعمل كثيرا وما زال يعمل على سعادة أطفاله، وأنَّه أدَّى واجبه التربوي أداء جيدا، ولكننا حين ننتقل إلى المجتمع ونغوص فيه نجد أنَّ الواقع غير مبشر، وأنَّ مستقبلنا في خطر. إذا، ثمَّة مشكلة تربوية تواجهنا نحن اﻵباء والتربويين، ولولا أخطاؤنا وعدم معرفتنا بأسس التربية الصحيحة ومبادئها في علاقاتنا مع الأطفال لكانت مجتمعاتنا على صورة مختلفة عمَّا هي عليه اليوم.
وأمام صعوبة الحياة وتعقيداتها ومشاغلها احتل الحاسوب وأجهزة الاتصالات الذكية جزءا لا يستهان به من حياتنا الثقافية والاجتماعية، فأصبحت اﻷلعاب الإلكترونية وأفلام الإنمي والرسوم المتحركة هي الموجه اﻷول لسلوك اﻷطفال، وزاد في الأمر سوءا انشغال أكثر اﻵباء وابتعادهم عن قضايا الطفولة ومستلزمات التعامل معها، ولذلك تتضح هنا الهوة العميقة بين الحاضر الذي نمثله نحن وبين المستقبل المتمثل بأبنائنا.
لقد اختطف التقدم التقاني السريع اﻷطفال من أسرتهم، وعزلهم عن محيطهم الاجتماعي، وقطع الروابط الثقافية وأبعدهم عن قضايا مهمة واهتمامات الطفولة الحقيقية، صحيح أنَّ هذه الأجهزة تجعل بعضهم يطل على عوالم مختلفة جديدة، إلا أنَّ أكثرها يستخدم استخداما سيئا، وهي بذلك تلغي العلاقات الحميمية وتسيطر على عقولهم وأرواحهم، وربما يجدون في أسرتهم من يشجعهم على إمضاء ساعات طويلة خلف الشاشات من دون الالتفات إلى العواقب.
وليست المشكلة في هذا التقدم المعرفي والتقاني الرائع، وإنَّما المشكلة هو عدم توظيفه أو ربطه بمنهج تربوي يغرس المبادئ ويحض على اﻷخلاق ويحرض اﻷفكار اﻹبداعية السامية، فقد قدم هذا التطور مؤخرا من دون النظر فيه أو التوجيه، فدخل بغلاف من اﻷلوان البراقة التي تبهج الطفل وتمتعه في حين إنَّها تقطعه عن جذوره وتصله بثقافات تغريبية وأفكار تحض على العنف، وتشارك في تكوين توجه عام لجيل من اﻷطفال.
إنَّ العديد من برامج الرسوم المتحركة التي يشاهدها اﻷطفال في العالم العربي لا تخدم رسالتنا التربوية، بل إنَّها تحاربها وتسعى إلى تشويهها، بعكس تلك البرامج التي تابعناها أيام كنا صغار كافتح يا سمسم، وكان يا ما كان الحياة، وحكايات عالمية، وزهرة البراري، ومغامرات نوار، ولحن الحياة، وعهد اﻷصدقاء، ووداعا ماركو… إلخ، إذ كانت تغرز القيم النبيلة في نفوس اﻷطفال وتنشئهم على حبِّ الخير ومساعدة الجميع. أما برامج عصر العلومات فنرى أنَّ أكثرها يعتمد على اللقطات السريعة والألوان الداكنة والمشاهد العنيفة، وتهتم بالدرجة الأولى بإظهار القدرات الخارقة بفعل السحر والشعوذة، وبعضها يركز على حياة الشغب واالهو وإزعاج اﻵخرين بصورة مضحكة وساذجة، والطامة الكبرى ما لمسناه أخيرا وهو اعتماد الهجات العامية في الدبلجة، كل هذا من شأنه أن تحد من قدرات الطفل الفكرية وتقلل من الرصيد الروحي لديه. والحقيقة المزعجة هي أنَّنا لا نستهلك هذه المنتجات التقانية وبرامجها وحسب، بل نستهلك ثقافة صانعيها ومروجيها أيضا.
جربوا وتابعوا مع أطفالكم بعض البرامج التي يفتنون بها، ستجدون أنَّها تركز على الخوارق واﻷحداث غير القابلة للتحقق، وتعمل على سيطرة النزعة اﻷنانية في النفس والزهو والتكبر والسعي إلى تأكيد الذات من خلال القوة والعنف والتعالي على الطرف اﻵخر، واعلموا أنَّ هذا يولد عند أطفالكم أمراضا نفسية تصعب معالجتها في مقدمتها التوتر العصبي والنزعة الانعزالية.
إنَّ هذا السيل التقاني الهائل الذي أغرقتنا به الدول الكبرى المتقدمة لتتحكم بتوجهاتنا ولتملك به زمام أمورنا وتفكيرنا يحتاج إلى قوة كبيرة تقف في وجهه وتتصدى لهذا الخطر المحدق، ويمكن أن يكون ذلك بإنشاء مشروع تربوي للعمل على برامج غنية موجهة، ترتبط بجذورها الثقافية وتحرض القدرات اﻹبداعية المخبوءة في اﻷطفال.
ويكون أساس هذا العمل هو الانطلاق من احتياجاتنا ومتطلباتها، وتقديم برامج تدمج بين الفن والتربية والمعرفة واﻷخلاق والقيم في أكثر من مجال من المجالات المتنوعة.