|عبد الملك قرة محمد|
يدرك كلٌ منا بأنَّ الثورة تمرُّ بأصعب فترةٍ في تاريخها على الإطلاق سياسياً وعسكرياً، فالهجمة الأخيرة التي قامت بها عصابات الأسد المدعومة بجميع الميليشيات الطائفية التي يضمها الشرق الأوسط والمدججة بالترسانة الحربية الروسية، هي محاولة جديدة لخنق الثورة.
وهنا لابدَّ لنا من الاعتراف بأنَّ النظام مع حلفائه استطاع خلال أشهرٍ أن يسيطر على مناطق لم يحلم بالسيطرة عليها بسنوات مقتحماً جنوب حلب وشمالها ومناطق واسعة من دمشق واللاذقية ودرعا بخطة تهدف لإضعاف ورقة الثورة السياسية والعسكرية والتقليل من مناطق سيطرتها على الجغرافية السورية.
واللافت هذه المرة أنَّ الهجمة العسكرية والانتهاكات الإنسانية التي قام بها النظام لا سيما في حلب لم تلقَ الصدى نفسه الذي كانت تتلقاه على الطاولة السياسية سابقاً، وذلك نتيجة التغيرات السياسية الأخيرة، والتي تهدف بوضوح إلى تلافي أخطاء المؤتمرات الجنيفية السابقة، وتمهيد الطريق إلى مرحلة انتقالية قريبة يديرها دي ميستورا مع كل من روسيا وأمريكا وتركيا والسعودية خاصة بعد اتباع أردوغان لطريقة المسلسلات التركية التي تنتهي دوماً بتصالح جميع الأعداء، فلروسيا الاعتذار ، ولإسرائيل التطبيع وللسوريين التجنيس الذي يعتبر أمراً عادياً لدولة جنست اليهود والأرمن قبل السوريين، فمن خلال هذا الموقف يرى البعض أنَّ الموقف التركي تُجاه الوضع السوري ربما سيسلك طريقاً مغايرةً عما عهده المجتمع الدولي سابقاً خاصةً أنَّ معظم القرارات التركية أصبحت منطلقة من المصلحة التركية في الدرجة الأولى، وبهذا يكون المجتمع الدولي قد فكَّ الشيفرة التركية التي لازمت الثورة السورية في المحافل الدولية على مدى السنين الخمس، وقد عبر دي ميستورا عن ذلك بقوله :”إنَّ المرحلة السياسية باتت حاسمة والحل يكون في اتفاق محتمل بين روسيا والولايات المتحدة؛ بهدف الوصول إلى فترةٍ انتقالية بداية الشهر القادم (أغسطس)”.
ويبدو أنَّ تركيا هي الحلقة التي ربطت روسيا بأمريكا في محاولة لإنعاش العلاقات وتقريب وجهات النظر وحل الأزمة السورية وخاصة بعد عودة العلاقات التركية الروسية برغبة من الحكومة التركية بهدف تشكيل تحالفات جديدة والحصول على قوةٍ سياسيةٍ إلى جانب القوة الاقتصادية التي حصدتها حكومة العدالة والتنمية عبر سنيِّ حكمها.
وبالمقابل فإنَّ السعودية والتي هددت بتدخلات عسكرية كبتت حدتها هي الأخرى وخاصة بعد صراعها مع الدولة الإيرانية وأذنابها وانشغالها بمشاكلها الداخلية لاسيما بعد التفجيرات الأخيرة، وهذا ما سيؤدي إلى التخفيف من دورها السياسي وجعل قوتها مقتصرة على الموقف الديني فقط في محاولةٍ إيرانية لجعلها كما دولة الفاتيكان دولة ذات تأثير ديني فقط لاسيما بعد ادعاء إيران بأنَّ السعودية تتحكم بأمور الحج وتمنع الإيرانيين من دخول مكة.
لم تشهد المراحل السابقة من عمر الثورة صراعاً سياسياً كما الآن، فلو أمعنا النظر في التغيرات السياسية في الداخل والتي أظهرت سيطرة روسيا على نظام الأسد عسكرياً وسياسياً لوجدناها مكملةً لتغيرات كبيرة في المواقف الدولية الخارجية والتي ربما ستنعكس سلباً على واقع الثورة السورية.
الحقيقة التي يجب على كلٍ منا إدراكها هي أنَّ هدف الثورة لم يعد يقتصر على إسقاط نظامٍ منهارٍ أصلاً، ولم تعد طائراته وقواته هي القاتلة والمقاتلة للشعب السوري فقط على الساحة السورية لا سيما بعد فقدِ النظام لشرعيته وسيادته المزعومة أمام الاختراقات الروسية والإسرائيلية المتكررة.
الهدف الأول الآن هو إيقاف تمدد كيان إيراني يسير على خطى نظيره الإسرائيلي في إظهار قوته في الشرق الأوسط بعد امتلاكه السلاح النووي وإيقاف عدوان روسي سيحول سوريا إلى عراقَ ثانية بحجة الاتفاق على حل ٍ مع دول المنطقة على أساس أنه سيرضي جميع الأطراف والاختباء بوشاح المفاوضات التي ربما ستضحي القضية السورية على طاولتها.