تقرير: محمد ضياء أرمنازي
سأل النبي محمد صلَّ الله عليه وسلم غلامين عند ماء بدر، عن جيش قريش، فقالا: هم وراء هذا الكثيب، فقال لهم: كم القوم؟ فقالا: كثير، قال: ما عدتهم؟ فقالا: لا ندري، فقال: كم ينحرون كل يوم؟ فقالا: يوماً تسعاً ويوماً عشراً فقال: النبي صلَّ الله عليه وسلم القوم ما بين التسعمائة والألف.
إنَّ التجسس العسكري على العدو قبل بدء أي المعركة يمكنك من كشف نقاط ضعفه ثم استغلالها عسكرياً.
ويعتبر سلاح الإشارة من أهم أدوات الاتصال والتجسس، وهذا الاختصاص موجود عند جميع الجيوش الحديثة، وهو عصب المعركة، وعن طريقه تأتي جميع المعلومات والأوامر العسكرية، ومن خلاله أيضاً يتجسس الخصم على عدوه في الطرف الآخر.
وتعتبر جميع المعلومات المنقولة عبر القبضات معلومات مفيدة للعدو؛ لأنه من خلالها سوف يعرف مكان ونوعية أرض المعركة، ويتعرف من خلالها على أنواع العتاد الذي يمكن أن يستخدم، ويمكن تقدير عدد الجند وأماكن تمركزهم أيضاً.
لكن لماذا يتكرر خطأ التكلم بأمور عسكرية مهمة على القبضات العادية؟ فكثيراً ما يتكلم بعض الأفراد من الثوار عبر القبضة العادية عن أمور عسكرية مهمة، استهتاراً! كأن يتصل أحد المجاهدين من قبضته على الجبهة ويطلب المؤازرة من فصيله ويحدد له مكانه بدقة!
فيقوم مركز التنصت عند النظام، بإرسال إحداثيات الإرسال وإحداثية الاستقبال إلى مركز المعلومات ثم إلى منطقة التعزيز، ومنها إلى غرفة العمليات، ثم يسند الأمر إلى المطار أو أقرب كتيبة مدفعية لكي يتم التعامل مع هذا الهدف الجديدة، أو تكون الطائرة الحربية بانتظار هذا الهدف السهل وتدميره قبل وصوله إلى الجهة التي طلبت المؤازرة.
قام النظام السوري مؤخراً بإنشاء مراكز تنصت حديثة جداً بالتعاون مع خبراء اتصال روس، حيث قاموا بإنشاء مراكز للتنصت على معظم قبضات الاتصال التي يستخدمها الثوار ( الهييترا الديجيتال وموتورولا) وتغطي هذه المراكز معظم الأراضي السورية، ففي دمشق يوجد مركز في جبورين وفي حمص يوجد مركز في السقيلبية، وفي ريف حماه في جورين، وفي جبل النبي يونس، وفي المرصد 45 في ريف اللاذقية، وفي الأكاديمية العسكرية في مدينة حلب، ويعمل في كل مركز عشرة مهندسين مختصين في الاتصالات يجيدون عدة لغات كالتركية والفارسية والكردية والروسية بالإضافة إلى اللغة العربية.
ومن خلال هذه الأجهزة الحديثة أصبح النظام يمتلك كمية كبيرة من المعلومات العسكرية المهمة عن تحركات الثوار وأماكن تمركزهم، وبناء عليها يتم التعامل مع هذه الأهداف العسكرية، عن طريق القصف بالطائرات الحربية أو قصفها بالمدفعية البعيدة المدى.
ونظراً لأهمية هذا الموضوع التقت صحيفة حبر مع
أبو مارية مسؤول الإشارة في حركة نور الدين زنكي الذي حدثنا بقوله:
(نعلم أنَّ النظام يتجسس على معظم القبضات العادية، والجميع يتكلمون عبرها، لكن في الأمور العسكرية السرية نتواصل عبر طرق أخرى كالاتصالات السلكية، ونستعملها في بعض الأحيان عندما تكون المسافة قريبة نسبيا، ونعتمد أيضاً على استخدام الرموز في الجبهات لإخفاء المعلومات المهمة عن تجسس قوات النظام، وهناك رموز لكثير من الأسماء، فإذا كنَّا بحاجة إلى ذخيرة مثلاً يكون لها رمز، وإذا كنا بحاجة إلى مؤازرة، يكون لها رمز، وإذا كان عندنا شهيد هناك أيضاً رمز، و قد تكون الرموز أسبوعية أو شهرية وأحياناً قد تكون يومية بحسب أهمية المعركة، وفي المعارك الأخيرة اعتمدنا على إعطاء رموز قبل بداية كل معركة بفترة قصيرة لكيلا تنتشر المعلومات وتصبح عند قوات النظام، لكن هناك أجهزة أتصال متطورة مشفرة حديثة لم يخترقها النظام حتى الآن.
ونقوم بالتواصل عبرها عند نقل الأخبار المهمة ومن المستحيل التجسس عليها، لكن لا للأسف معظم الفصائل لا تمتلك مثل هذه الأجهزة الحديثة،
وللأسف معظم الفصائل مقصرة بالنسبة إلى إخفاء المعلومات العسكرية عن النظام، ولم نستطع إلى الآن إخفاء المعلومات 100% وهناك عشوائية في التعامل مع هذا الأمر المهم جداً.
وما زلنا نعمل على تشفير القبضات بما اتيح لنا من معدات، لكن هذا النوع من المعدات قليل جداً، وهناك صعوبة كبيرة في الحصول عليها ناهيك عن ثمنها المرتفع، لكن تبقى أفضل طريقة في التواصل الآمن هي التواصل عبر السلكي، فلا يستطيع النظام اختراقه ولا يتأثر بالعوامل الطبيعية ويكون الصوت عبره واضح ومفهوم).
الجميع يعرف أنَّ للقبضة العسكرية فائدة كبيرة في سرعة التواصل بين الأفراد والقادة، لكن يجب أن نعلم أيضاً أنَّ هذه القبضة تعتبر جهاز تجسس عليك أولاً، ثم جهاز تعقب لأماكن تمركزك ثانياً.
ويجب على القادة من كافة المستويات ومختصي الإشارة، وضع جدول محادثات مشفر، وتنبيه عناصرهم لاستخدام الرموز والمصطلحات المتبدلة أثناء الحديث عبر القبضات، ولن يفيد تغيير تردد القبضة؛ لأنَّ النظام سوف يكشف التردد الجديد بعد تبديله، ويجب الابتعاد أيضاً عن جميع النقاط العسكرية ومخازن السلاح أثناء أي اتصال؛ لتفادي تحديد المكان من قبل قوات النظام.