إعداد: سعود الأحمد
يفتح الطفل عينيه بعد ولادته على عالم مختلف كليا عن ذاك الذي كان يعيشه في بيئة أمه الداخلية، إذ كان يعتمد على أمه اعتمادا كليا في غذائه وتنفسه، وينمو نموا منتظما يشمل أجهزته العضوية، ثم يبدأ الطفل بمرحلة الاستقلالية اﻷولى عند إجراء عمليتي الشهيق والزفير، وتعتبر صدمة الميلاد كما يرى علماء النفس من أقسى الصدمات النفسية المؤثرة في حياة الطفل.
يولد الطفل مزودا باﻷجهزة العضوية كالرئتين والقلب وما يضمن له استمراره في الحياة، كما يولد ولديه جهاز نطق يمنعه من استخدامه بداية افتقاره إلى الخبرات وعدم معرفته الكلمات ومحتويات اللغة إضافة إلى غياب العلاقات الاجتماعية، ﻷنَّ ظهور اللغة يرتبط بالحاجة إلى الجماعة، فعندما يشعر الطفل أنَّه بحاجة إلى أن يفهم كلام اﻵخرين وبحاجة إلى أن يفهموه، يدفعه ذلك إلى السعي في استخدام جهازه النطقي باللغة المكتسبة، والطفل يمتلك القدرة على اكتساب أي لغة من لغات العالم مهما كانت درجة صعوبتها.
واللغة كما يعرفها اﻷستاذ الدكتور فايز الداية “هي منظومة رمزية صوتية لها منعكس كتابي، يتواصل بها أبناء مجتمع بشري، هي خزان معرفة وأداة تعلم، هي أداة تعبير فني”. فأهمية اللغة تكمن في كونها أداة رئيسة تميز الكائن البشري وتمكنه من إجراء عملية التواصل إضافة إلى دورها في توصيل المعارف والحقائق وحفظ المعرفة البشرية، كما أنَّها ترتبط ارتباطا وثيقا بينها وبين التفكير، خاصة في مرحلة الطفولة إذ يقول عالم النفس ستيشينوف: “الطفل يتكلم أثناء قيامه بالتفكير”.
النمو اللغوي في السنة اﻷولى:
يعتبر العام اﻷول من حياة الطفل مرحلة تحضير للنمو اللغوي عندما تتشكل لديه شروط استيعابه اللغة واستعماله الكلمات بشكل صحيح، إلا أنَّ هناك اختلافا في النمو اللغوي بين اﻷطفال، فسرعته تعود إلى جملة من العوامل الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية، منها:
* قدرة الطفل على استخدام جهاز النطق وصوغ اﻷصوات.
* نمو اﻹدراك وتشكيل مفهوم حول الذات والمحيط.
* البيئة الاجتماعية التي تعزز له التواصل اللغوي باستمرار.
* الذاكرة القوية والقدرة على التمثيل.
* التشجيع المستمر من قبل الوالدين.
عدم وجود لغة ثانية مزاحمة للغته اﻷم.
يبدأ الطفل بالانتباه إلى كلام اﻷبوين ومن هم حوله في وقت مبكر، وفي النصف الثاني من العام اﻷول يفهم اﻹشارات إذ يستطيع أن يدرك أنَّ أمه تطلب منه الزحف نحوها إن رآها تفتح له ذراعيها، وفي الشهرين السابع والثامن يستطيع الطفل أن يميز أصوات اللغة ويحاول أن يربط بين الكلمات ومدلولاتها وقد لا ينجح في جميع محاولاته، وتظهر في لغته المقاطع الصوتية المقتطعة من كلمات تتردد على مسمعه كثيرا، ترافقها الحركات الانفعالية معبرا بذلك عن حاجاته أو ليلفت أنظار اﻷبوين واﻵخرين، مثل (ب ب- م م – إم- دا..).
وفي الشهرين التاسع والعاشر يبدأ الصغير بفهم اﻷوامر التي تلقى عليه ويهم بتنفيذها، مثل (تعال إلي-خذ هذا-افتح فمك-قل ماما..) ويمكن سماع بعض الكلمات منه ترافقها الحركات مثل (بابا-ماما-دادا..)، ومع نهاية العام اﻷول يبدأ الطفل بالتعلم الذاتي وتظهر عنده شروط السماع، فهو يركز على الحديث المعزز بالحركات إضافة إلى تركيزه على الشعر المغنى والموسيقى.
النمو اللغوي في الطفولة المبكرة ( 2-3) سنوات:
بعد السنة اﻷولى تكثر معارف الطفل حول اﻷشياء المحيطة به، وتصبح علاقاته مع أبويه أكثر نضجا، وتظهر لديه الحاجة إلى إقامة علاقات مع الأشخاص حوله، وهذا يتطلب منه فعالية كبيرة في استخدام اللغة، وسيلته اﻷساسية في عملية التواصل.
يبدأ الطفل في عمر السنة والشهرين بتقليد أبويه كثيرا، فيردد كلمات وجملا قصيرة يعي معناها مع غياب مبدأ التعميم عنده، فهو لا يستطيع إطلاق لفظ الدال على مدلولين يختلفان فقط في اللون أو الحجم، هكذا حتى عمر السنة والنصف فيكون قادرا على العمل وفق مبدأ التعميم.
وعند وصول الطفل إلى عمر السنتين تظهر لديه اﻷسئلة عن معاني اﻷشياء التي حوله، وهي عمليه تغني معجم الطفل اللغوي وتساعده على الانطلاق في التعبير وتوسيع خبراته الاجتماعية، ولذلك فإنَّ على اﻷهل ألا يتجاهلوا هذه اﻷسئلة وأن يستعدوا دائما للإجابة والقيام بعملية الرفد والمساهمة في تشكيل معجم طفلهم.
وفي هذه المرحلة تنمو قواعد اللغة في ذهن الطفل، فيستطيع استخدام الكلمات التي تعبر في ذهنه عن جملة اسمية أو فعلية، فعندما تسقط الكرة من يده وينظر إلى والده ويقول بابا مشيرا إلى الكرة فمعنى ذلك أنَّه يقول بابا أعطني الكرة. أما بعد السنة والنصف فإنَّ هذه التعبيرات تتغير تدريجيا ليحل محلها الكلام.
وفي عمر السنة وتسعة أشهر تقريبا يستطيع الطفل تكوين جمل مؤلفة من كلمتين، ثم يتضاعف عدد الجمل بسرعة بين العامين الثاني والثالث، وبمقدار فهم واستيعاب أصوات اللغة يبدأ الطفل بفهم كلام والديه، فتستطيع الكلمات ضبط حركاته ونشاطاته وانفعالاته، ومع نهاية العام الثالث يفهم الطفل ما يؤمر وينفذ التعليمات الملقاة عليه ويمتنع عن بعض اﻷفعال من خلال اﻹرشادات التي يتلقاها من مربيه عن طريق الكلام، إلا أنَّ أهم ما في هذه المرحلة هو قدرة الطفل على اﻹنصات والانتباه إلى الكلام بلفظه ومعناه، وهذه مرحلة مهمة جدا لممارسة تربية الطفل وتوجيهه ﻷنَّه يفهم التحذيرات واﻷوامر، ولذلك فإنَّ هذه السن مناسبة لتعليمه قواعد السلوك واﻷخلاق وغرز القيم النبيلة فيه، وهذا ما يجب أن يتنبه عليه المربون ويعطوه أهمية كبيرة.