تعوّد المواطن السوري أن ينام ويستيقظ على أصوات القصف والطيران بشكل شبه يومي، مما يدفع المدنيين المقيمين داخل المدن والبلدات المحررة إلى الاختباء في الأقبية والطوابق السفلية كملاجئ تحميهم من القصف باعتبارها أماكن أكثر أمنا، على الرغم من أنَّ بعضها لا ينجو من القصف، وأخرى قد تكون غير صالحة للسكن.
أثناء ساعات أو أيام من الاختباء في الأقبية تتعرض النساء والأطفال والشيوخ لكثير من الضغوطات النفسية خاصة في المناطق الساخنة في سوريا كمدينتي حلب وادلب، تجعلهم يقضون ساعات طويلة خوفا من المجازر التي اعتادوا على مشاهدتها بشكل شبه يومي.
يقوم بعض السكان بتجهيز الأقبية بالعديد من المستلزمات للجلوس والأغطية وبعض الخبز والطعام والشمع لإنارة المكان، وعند سماع صوت الإنذار يركض الجميع للاختباء في قبو رطب وإنارة متهالكة، ولكن عبثا فكلها في طريق النفاذ، نساء وأطفال وعجائز يجلسون داخل الملاجئ، بعض الأطفال يبكون وبعضهم من بدا الخوف واضحا على وجهه، وبعضهم من يخفي وراء صمته خوفا وألما.
وقد ينفذ الطعام أحيانا أثناء المكوث في الأقبية لساعات طويلة ريثما ينتهي الطيران من تحليقه، وتشعر الأمهات بغصة وحرقة في القلب كلما طلب أحد الأطفال أو العجائز الطعام في تلك اللحظة الحرجة فما من مجال للخروج.
الأراضي الزراعية المحيطة ببعض المدن قد تكون أكثر أمنا بحسب ظن بعض الناس، فيقيمون في خيم تنتقص ﻷدنى مقومات الحياة، ليبدأ الجميع في رحلة التأقلم مع الحياة الجديدة رغما عنهم لينعكس سلبا على وضعهم المعيشي والنفسي خاصة في فصل الشتاء، حيث يعاني الناس داخل الملاجئ والخيم من البرد القارس وأكثر من يتأثر بهذا الوضع هم الأطفال و الشيوخ الذين لا يفارق الحزن والأسى وجوههم التي ملأتها التجاعيد، ويصرون على العودة لمنازلهم، فبرأيهم لا مفر من الموت، ويلجأ بعض كبار السن لتسلية الأطفال واللعب معهم لتجاوز تلك الأوقات الصعبة.
أحد كبار السن في مدينة إدلب جلس في القبو وبدأ يروي للأطفال قصصا من ماضيه علها تخفف معاناة الجميع من الخوف والذعر داخل الملجأ، متظاهرا بعدم خوفه من القصف ومحاولا أن يزرع البسمة والأمل بحياة أفضل على من حوله، فتجارب الحياة علمته كما قال أنَّ الظلم سينتهي لا محال مهما طال أمده.
بدت المرأة في الحرب هي الأم والأخت والممرضة والمعلمة مساعدة لاستمرار الحياة، فتصوير الوضع بشكل أفضل مما يبدو عليه أمرا ليس بالهين في محاولة منها لتخفيف مشاعر الخوف والرعب والملل عند الأطفال والمسنين الذين تغتال الحرب أحلامهم وأمنياتهم التي باتت تحت رحمة طيران النظام وبراميله، فبينما ينعم أطفال العالم بالأمن واللعب والتسلية يذوق الطفل السوري آلام الحرب من حرمان وخوف وقتل.
مدينة حلب التي لا يفارق الطيران سماءها يضطر أهلها للاختباء ساعات في تلك الأقبية التي تفوح منها رائحة العفن والرطوبة، تحاول الأمهات التظاهر بالثبات والقوة أمام الأطفال وقلبهن مهزوز في محاولات قد تبدو بائسة للتظاهر بالسعادة خوفا من أن تجد أصوات القصف مكانا في قلوبهم الصغيرة.
تبقى قلوب المختبئين داخل الأقبية مع أقاربهم وأحبتهم متسائلين عن موقع قصف الطيران للاطمئنان عن أهلهم والخوف يملأ قلوبهم من أن تكون المجزرة قد طالت أحدا منهم، فقد تنقطع الاتصالات وقت القصف ولا مجال للتواصل إلا بعد انتهاء الغارات.
لا يمر يوم في المناطق الساخنة بدون قصف وموت ودمار، فيبدو أنَّ العالم يرى الناس في سوريا مجرد أرقام على عداد مجازر النظام، فدمائهم ليست كالدم الفرنسي وأشلاء الأطفال والنساء لم تعد تهز ضمائرهم، لكن الحرب تزيد الشعب السوري ألفة ومحبة وأملا وإصرارا على البقاء رغم ما يمرون به من صعوبات، ورغم ما يتعرضون له من قتل وتدمير وتهجير.
لارا عبد الرحمن