بقلم نادر حمامي
في ظلِّ الانقسامات الراهنة، وعلى صوت تلك الدعوات الصارخة التي تدعو إلى الوحدة والتلاحم، لا يكفينا أن نشيدَ بماضي أسلافنا التليد المشرق، ولا أن نقرأ انتصاراتهم وملاحمهم فحسب، بل أن نقرأ فيها تلاحمهم ووحدة صفهم وقلبهم ويدهم، ثم نسأل إن استبطأنا النصر والتمكين وكل معاني المجد والرفعة، هل نحن كذلك فيما بيننا؟! إني كلما سمعت شيئا من تلك الدعوات تعود بي إلى أيام الإسلام اﻷولى، تذهب بي في عمق الزمن يوم كان كل من تناديه باسم الدين واﻷخوة من المسلمين يشعر بنفسه أنه المخاطب والمقصود وينعم بما يوحيه له هذا النداء من قوة ووحدة؛ ﻷنه نداء يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، وكيف لا وهو مبني على أقدس رابطة ألا وهي رابطة الدين والعقيدة، والسؤال هنا يا بني الإسلام: لماذا نريد أن نعبث باسم جمعنا بنداءٍ من كلمة واحدة ما دام يستوعبنا وهو هكذا؟ لقد سمانا الله به من قبل (هو سماكم المسلمين) بلا زيادة ولا تخصيص، لماذا نضيق واسعا؟ لماذا نريد أن نقفز إلى الدائرة الصغيرة ما دامت الكبيرة تسعنا وتجمعنا؟ ليقل كل منا أنا مسلم فقط وكفى، وستنسينا لذة الوحدة مرارة ليالي الفرقة، يا ويح الفرقة ما أبغضها! ما أبغضها وهي تسلم للعدو مفاتيح القلعة!
هذا ما ينبغي أن يكون في حالنا الطبيعي في أيام القوة والرخاء والنعماء،
فكيف بنا إذا دهمتنا أيام الشدة والضعف والجور والبأساء؟ أنا ﻻ أتكلم هنا عن الجانب الديني فقط، إنما ابتدأت به ﻷنَّه أهم ما يربط بيننا، وﻷننا نجتمع فيه، وﻷنه إذا صلح فينا فغيره إلى الصلاح أقرب، أتكلم هنا على جميع الجوانب التي يمكننا أن نتحدَّى فيها في العالم الإسلامي ككل وفي سورية على وجه الخصوص، لماذا عندنا العشرات بل المئات من الفصائل المقاتلة وكل يغني على ليلاه ما دامت ليلى هنا هي الوطن؟! ولماذا هناك العشرات من المؤسسات التعليمية وكل يعمل كما يرى وكما يحلو له ما دام الهدف هو التعليم؟! وكذلك عشرات المؤسسات الإغاثية والتنموية و الدعوية …الخ وهذا غيض من فيض ولا يتسع المقام هنا للتفصيل، لو أردنا النجاح حقا فعلى كل من هؤلاء الاتفاق على رؤية واحدة شاملة ﻷهدافهم والعمل على تحقيقها معا .
يا سادة إنَّ اليد الإنسانية قوية جدا فيما لو اتفقت أصابعها، وإنَّ كلَّ ما ترونه من فنها وبنائها وإبداعها وصنعها هو نتيجة لاتفاق تلك اﻷصابع، ولذاك العمل المتناغم فيما بينها، ولذاك الهدف المشترك لها.
فكيف لو اتفقت يدان اثنتان؟ وكيف لو اتفق اثنان؟ وكيف لو اتفق أبناء الدين الواحد والوطن الواحد والقضية الواحدة؟! أنا لا أطلب منكم أن تميتوا الاختلاف، فالاختلاف سنة كونية، وقائم ما قامت اﻷرض، ولكن دعوه ينام قليلا ليأخذ قسطا من الراحة فتستيقظوا أنتم لتأخذوا قسطا من القوة وقسطا من الوحدة، فلا يقوى عليكم بعدها أحد أبدا.
إنَّ هذا الخلاف لا يمكننا إزالته اﻵن إلا بتنحية الاختلافات، ﻷننا _وللأسف_ ما زلنا صغارا على أن نختلف؛ ﻷنَّ طرقنا في حل اختلافاتنا ما زالت بدائية جدا، وغالبا ما تجرنا إلى العراك والخلاف والخصومات تماما كالأطفال، وﻷننا لا نحيد شخصنا أثناء الدفاع عن أفكارنا، فينتابنا شيء من الغيرة وتهميش اﻵخرين أو إقصائهم وحب الانتصار ﻹثبات الذات، فنحول الحوار البناء إلى معركة وجودية بيننا.
وانظروا إلى دول الاستعمار وعلى رأسهم إسرائيل الراعي اﻷول للإجرام في العالم، هل تذكرتم شعارهم الذي تلقناه في المدارس منذ زمن؟
إنه (فرق تسد) وإياكم أن تقولوا (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) ﻷنَّ هذا لن يعطينا جرعة من القوة والثقة إلا عندما نريد مجابهتهم واستئصالهم، وإلا فما ينفعنا كونهم شتى إن كنا أشتاتا؟! قرأت في الإنترنت كما نقل أحدهم ببعض تصرف أنَّ جنديا سأل نابليون في يوم معركة، الله اليوم مع من؟ فأجابه: إنَّ الله مع أصحاب المدفع الكبير . و أقول: إنَّ الله مع أصحاب المدفع الصغير عندما يثقون بمدفعهم الصغير وإمكانياتهم المتواضعة، ويبذلون أقصى ما في وسعهم، ويتكاتفون على إزالة المدفع الكبير، ويعتقدون حقا أنَّهم قادرون على ذلك.